طه عبد الواحد

قال الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف إن بضع عشرات من مواطني بلاده يقاتلون في سوريا، وأضاف أنه لا يمكن التأكيد بأنهم جميعا في صفوف «داعش»، لافتا إلى أنه «وبصورة رئيسية، يجري جذب الشيشانيين من المقيمين في أوروبا الغربية» إلى صفوف التنظيم الإرهابي، وأن «التدابير التي اتخذناها ساعدت على إعادة عدد كبير من الشباب قبل أن يصلوا سوريا».

ويرى الرئيس الشيشاني في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه «ليس هناك أحد آمن من الإرهابيين في عالمنا المعاصر، إلا أنه يمكن تخفيف مستوى التهديد، والتبعات المحتلمة للأعمال الإرهابية إلى أدنى حد، في حال الاتفاق على آليات موحدة في تقييم وتصنيف المجموعات الإرهابية».
وأكد قاديروف تعاون بلاده مع الرياض في مسألة مكافحة الإرهاب بالقول: «خلال أي لقاء مع ممثلي السعودية كنا دوما نناقش هذه المسألة وبوضوح تام، وأعتقد أن المملكة العربية السعودية وروسيا تربحان نتيجة مثل ذلك التعاون».
اقتصاديا، وصف الرئيس الشيشاني بلاده بـ«واحة استقرار ونظام وسلام، في عالمنا المضطرب»، مبديا استعداد بلاده لعرض جملة من المشاريع التي وصفها بالواعدة للمستثمرين.
* ما هي الجهود التي تبذلها الشيشان لمكافحة الإرهاب وهل هناك تعاون مع السعودية في هذا المجال؟
- ما نقوم به الآن هو «وقاية» من الإرهاب، حيث كنا قد تصدينا له في السنوات الماضية. حربنا ضد الإرهاب انطلقت في عهد رئيسنا الأول أحمد حجي قاديروف. وكان هناك في الشيشان أكثر من خمسة عشر ألف إرهابي من عشرات الدول، ولشديد أسفنا أعداد كبيرة منهم كانوا من أبناء منطقة الشرق الأوسط. قتلوا النساء والأطفال والمسنين، وعلى أيديهم قتل رجال دين وأئمة لهم مكانتهم واحترامهم.
كان الإرهابيون يحرقون المنازل والقرآن الكريم داخلها، فعلوا هذا آلاف المرات، ومع إعلانهم النضال من أجل الإسلام كان هؤلاء يقضون على كل مخلص من القلب للدين، ومن لم يقطع فرض الصلاة يوما في حياته، ومن كانوا يعلمون تلاوة القرآن الكريم للأطفال، فضلا عن ذلك كان هؤلاء المجرمون يخطفون المدنيين ويطالبون بمبالغ من المال لقاء إطلاق سراحهم. لقد تمكنا بمساعدة المركز الفيدرالي (القوات الفيدرالية الروسية) من القضاء على الإرهابيين وإعادة الأمن والاستقرار بصورة نهائية وتامة إلى الشيشان. نقف جنبا إلى جنب مع قيادة المملكة العربية السعودية في حربها الحازمة ضد منظمي التفجيرات، الإرهابيين والمجرمين الذين يرفعون أيديهم ضد الأبرياء.
ونتلقى ببالغ الأسى والألم الأنباء حول أعمال إرهابية تطال المملكة العربية السعودية. لقد قام إرهابي بتفجير سيارة مفخخة في مسجد النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، ما أدى إلى سقوط وإصابة أبرياء. وكانت هناك أعمال إرهابية في مدن أخرى، بما في ذلك في عاصمة المملكة.
وخلال زيارتي الرسمية إلى السعودية بدعوة من الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، تحدثت بالتفصيل عن الجرائم الوحشية التي يرتكبها الإرهابيون في الشيشان، وقدمت أمثلة كثيرة عن ممارساتهم. كما عرضت التدابير التي نتخذها للقضاء على الإرهابيين وإعادة الأمان والاستقرار إلى الشيشان. وقد عبر لي الملك حينها عن دعمه لحربنا ضد الإرهاب وشدد على أنه لا توجد طريقة أخرى للقضاء على الشر. وقد شكل موقفه المبدئي أهمية كبرى بالنسبة لنا. وفي السنوات التالية وخلال أي لقاء مع ممثلي المملكة العربية السعودية كنا دوما نناقش هذه المسألة وبوضوح تام، وأعتقد أن المملكة العربية السعودية وروسيا تربحان نتيجة مثل ذلك التعاون.
ليس هناك أحد آمن من الإرهابيين في عالمنا المعاصر، إلا أنه يمكن تخفيف مستوى التهديد، والتبعات المحتلمة للأعمال الإرهابية إلى أدنى حد بحال تم الاتفاق على آليات موحدة في تقييم وتصنيف هذه المجموعة الإرهابية أو تلك.
وأنا على قناعة بأن المملكة العربية السعودية كذلك مهتمة بصدق بهذا الأمر. أما قيادتنا في روسيا فهي تدعو دول العالم دوما لتنسيق الجهود في التصدي للإرهاب الدولي. واللقاءات المنتظمة بين ممثلي روسيا والمملكة العربية السعودية تدفع إلى الاعتقاد بوجود فهم مشترك حول هذه المشكلة.
* كم عدد المقاتلين الشيشان في صفوف تنظيم داعش الإرهابي؟ وكيف تتعاملون معهم قانونيا واجتماعيا حال عودتهم؟
- وفق معطياتنا الموضوعية فإن الحديث قد يدور حول بضع عشرات من المواطنين الشيشانيين في صفوف الجماعات الإرهابية في سوريا، ولا يمكن التأكيد بأنهم جميعهم في صفوف جماعة «داعش». وبصورة رئيسية يتم جذب الشيشانيين من المقيمين في أوروبا الغربية إلى صفوف «داعش». وقد ساعدت التدابير التي اتخذناها على إعادة عدد كبير من الشباب قبل أن يصلوا لسوريا.
بالنسبة لأولئك الذين تم تجنيدهم في صفوف «داعش» عبر الكذب والخداع، فإننا نقدم لهم المساعدة للتأقلم والاندماج في الحياة السلمية، أما إذا كانت ممارساتهم تصنف كأعمال إجرامية بموجب قانون الجنايات الروسي، فإن قضية مسؤوليتهم يحددها القضاء، وبكل الأحوال لا ندع أي شخص دون اهتمام قبل أن نرى أنه قد تعافى نهائيا من العدوى الإبليسية.
* ما موقفكم من قضايا الشرق الأوسط وتحديدا سوريا ولبنان واليمن؟
- تسببت النزاعات في الشرق الأوسط في مقتل مئات الآلاف بما في ذلك من النساء وكبار السن والأطفال، تدمر مدنا بأكملها، ويجري تدمير المقدسات الإسلامية. يجري فعل كل ما من شأنه إضعاف الدول الإسلامية، وخلق فوضى طويلة الأمد في المنطقة، وإغراق الدول العربية بأزمات اقتصادية واجتماعية لن تستطيع الخروج منها لعقود طويلة. لا شك لدي أن تلك النزاعات مصطنعة أشعلتها قوى غربية محددة. هم يريدون جعل المسلمين يبدون بنظر العالم إرهابيين ومتطرفين، وفي واقع الأمر فإن جذور الإرهاب تعود إلى الدول الغربية، وهي ظاهرة غريبة وليست طبيعية بالنسبة للشعوب الإسلامية. إلا أن غياب الوحدة بين الدول الإسلامية يخدم أغراض أعداء الإسلام والعالم والعربي وكل الأمة.
حتى الآن لم يتم تنفيذ أي من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة حول قضايا الشرق الأوسط، وذلك لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا مهتمين بتنفيذ تلك القرارات. تعيش سوريا حاليا أكثر السنوات مأساوية في تاريخها العريق. وفي ليبيا حريق تارة تتصاعد نيرانه وتارة تخبو، إلى أن تبرز حاجة مجددا بنيران جديدة. وهكذا تستمر الأمور على مدار عشرات السنين، يريد اللبنانيون العيش بسلم وأمان ووئام، إلا أن الغرب، الولايات المتحدة والجوار القريب، يمارسون الضغط دوما على لبنان.
أما اليمن فمن الصعب أن يحافظ المرء على هدوئه وهو يتحدث عنه. لم يبق مبرر لم يستخدم لتأليب اليمنيين بعضهم على بعض. المجموعات المسلحة تقول إنها تقاتل من أجل الشعب اليمني والإسلام، وبالطبع هذا كذب واضح.
كيف يمكن أن يتحدث عن الإسلام شخص يوجه صاروخا باليستيا نحو مكة المكرمة؟ كانوا يريدون قتل الآلاف من الحجاج وأهل مكة، لكن الحمد لله تم التصدي للصاروخ وتدميره على بعد عشرات الكيلومترات.. في اليمن لا بد من استعادة الاستقرار بقبضة من حديد إذا كان الشعب يريد الحفاظ على وطنه، بهذا الشكل تماما تصرف أحمد حجي قاديروف. وحد الشعب الذي كان منقسما إلى فئات كثيرة، وانتصر على الإرهاب متعدد الجنسيات. واليوم الشعب الشيشاني موحد كما لم يكن أبدا في تاريخه.
* ما هي أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجهها الشيشان حاليًا؟
- لا يوجد لدينا اقتصاد متطور، تم تدمير اقتصادنا أثناء حربين عاشتهما البلاد. حاليا وبدعم من السلطات الفيدرالية نعمل على تأسيس صناعة سيارات، نعيد التأهيل ونبني المصانع، نجذب الاستثمارات من روسيا ومن الشركات الأجنبية، نعمل على تطوير صناعة السياحة، والزراعة. نسبة البطالة تراجعت من 76 في المائة حتى 10 في المائة، وهذه نتيجة خيالية تمكنا من تحقيقها. وأهم شيء أن مستثمرين بأسماء عالمية يتجهون نحونا دون تردد. وهذا ما نراهن عليه.
* ما هي الفرص التي تراهن عليها الشيشان لجذب الاستثمارات الخارجية من السعودية أو بقية دول العالم؟
- بالطبع تتوفر لدى رجال الأعمال السعوديين خبرة غنية في الاستثمارات خارج البلاد. وفي الشيشان التي هي جزء من روسيا الاتحادية تتوفر شروط وظروف رائعة للاستثمارات، وبالدرجة الأولى أن الاستثمارات تتمتع بحماية موثوقة، وفي عالمنا المضطرب تشكل الشيشان واحة استقرار ونظام وسلام، وأظن أن قطاع الأعمال السعودي ما زال يراقب ويقيّم، ونحن مستعدون لعرض جملة واسعة من المشاريع الواعدة.