محمد الساعد

لم يكن الأمر سوء حظ، أو توقيتا سيئا، صادف افتتاح ذلك المركز الحضاري العملاق، الذي بنته أرامكو، وحاولت تقديمه للعالم، غير أن للمطر حكمته الدائمة، فانكشاف أرامكو، أو تراجعها، لم يبدأ مع انهمار المياه، داخل أروقة مركزها، الذي لم يكتب له أن يولد.

يوم أمس الأول هرب مسؤولو أرامكو من مسرح الافتتاح الكبير، دون أن يعتذروا لضيوفهم، أو حتى يقولوا لهم لقد ألغينا الحفل بسبب المياه التي دخلت تحت أقدامكم، أو أيها الضيوف تفضلوا يوجد كثير من الطعام الذي لن يؤكل، وقليل من الأسف الذي لن تسمعوه، ربما كان لهول اللحظة تأثيرها عليهم.

أرامكو، أنها لا تختلف عن أي بلدية فرعية، في مدن وقرى المملكة، من حيث كفاءة وقدرات العاملين بها، لقد تراجعت لمعسكر الإدارة المحلية الضعيفة والمترهلة، بعدما كانت شركة ذات سمعة عالمية، ووزن إداري فريد.

لنعد خطوة للوراء، حين تم التخطيط لمركز الملك عبدالعزيز الثقافي، الذي أعلن عن تخصيص مليار ونصف لإنشائه، ولا نعلم هل بقي الرقم المالي كما هو أم زاد وتضاعف كما تقول الإشاعات.

السؤال المحير: ألم يدر في خلد «الأرامكيين»، أن بناء مركز بذلك الحجم، ربما يزيد على حاجة المنطقة العربية كاملة، بل قد يفوق كل ما خلفته القارة الأوروبية من إرث حضاري، من أفلاطون وحتى اليوم، من يزوره يعرف ذلك فورا، فهو أقرب ما يكون لمشروع إنساني دولي، يخصص لكي يزوره الملايين سنويا.

ثم بعد ذلك كله، كيف خططت أرامكو لحفلها، الذي دعت إليه بضعة رجال أعمال، وقليلا من مراسلي الصحف، بالتأكيد لم يكن الموعد مفاجئا، ولا إمكانات الشركة متواضعة، ولا أموالها قليلة، فهي لو أرادت أن تجلب كل بيوت الخبرة المتخصصة في هكذا مشاريع لجلبتها في عين اللحظة.

أي مركز حضاري وثقافي بهذا الوزن، كان لا بد له أن يخضع لجملة من الاختبارات والمراجعات والاحتمالات القاسية، فنحن لا نتحدث عن مبنى خشبي موقت، بل عن مشروع فريد صمم بطريقة إعجازية، وتنفيذه قد يصنف باعتباره خلاقا وغير مسبوق.

لذلك كله كان يتحتم على أرامكو أن تلتزم باحتفال أسطوري، يليق بالمملكة وتاريخها، ومكانة الملك المؤسس الذي يحمل المركز اسمه، يدعى إليه كبار الفنانين والمثقفين والشعراء والرسامين والنحاتين، وحاملي جوائز نوبل، من جل دول العالم، وتعزف في مسرحه الباذخ، فرق الأوركسترا إحدى سيمفونياتها الإنسانية.

لليوم لا نعرف أيضا كيف تخطط أرامكو لإدارة هذه الهبة الثقافية، وهل تعي وهي شركة للزيت، أنها في واجب إنشاء مجلس حكماء من أهم فناني ومثقفي العالم، يشرفون ويخططون لهذا الصرح العملاق، وتوظيف إدارة قادرة على تشغيل يلامس الأحلام.

ما حصل في أرامكو، ليس مطرا، وليس مياها عابرة، تأتي ثم تختفي مع شمس الضحى، إنه تراجع حتمي لشركة أصابها ما يصيب كل الشركات العملاقة ذات العمر الطويل، لقد حان الوقت لشركة أرامكو، أن تراجع أدبياتها الإدارية، وتتخلص من عللها، التي تسللت إليها خلال مسيرتها الطويلة.

هذا الأمر ليس معيبا، بل يدفع لإعادة تأسيس الشركة من جديد، لتحيا لمئة عام أخرى، بعدما كانت ملء وجدان السعوديين ومثار فخرهم، وهي المثال والحياض الذي طالما تمنى الجميع أن يكون كل ما في البلد مثله.