علي الخشيبان

الارتباك السياسي المتمثل في اختيار الناخب الأميركي لرئيس يفتقد للكثير من الخبرات السياسية يضعنا أمام سيناريوهات متعددة حول الاتجاه الذي سوف يسلكه الرئيس الأميركي الجديد..

نحن في العالم العربي لدينا اهتمام طبيعي بأميركا منذ الحرب العالمية الثانية ولكن هذا الاهتمام أصبح أكثر جدية وتصاعدا في واقعنا السياسي والاجتماعي، وخاصة في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعد حرب الخليج الثانية، ودعم هذا الاهتمام الانفتاح العالمي عبر ظواهر العولمة ومنتجاتها التي جعلت من الفرد محورا أساسيا في التبادل الثقافي والفكري في العالم.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تضاعف هذا الاهتمام بشكل كبير وتضاعف التواجد الأميركي في صراعات المنطقة، واحتلت العراق في مارس عام ألفين وثلاثة، وحاربت في أفغانستان بعد أحداث سبتمبر وبقيت في مواجهة التطرف الديني المنظم في أفغانستان واليمن في العراق والشام.

هل أميركا عدو أم صديق..؟ الحقيقة أن الجواب معقد ويستحيل فصله سياسيا بهذه الطريقة ولكن لا بد من طرح السؤال بهذه الطريقة الصارمة، على المستوى السياسي في العالم العربي وتحديدا منطقة الخليج أميركا صديق سياسي عطفا على تاريخ طويل من العلاقات التي أثبتت أميركا أنها تحترم دور أصدقائها في المنطقة، على الجانب الآخر يستكين الموقف الشعبي العربي حول أميركا مستحضرا أزمات المنطقة بكل أبعادها.

يبدو أن الخوف المتبادل بين الشعب العربي والسياسة الأميركية يتعمد عدم التصادم في أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية، كما أن علاقتنا نحن العرب كشعوب بأميركا أصبحت تشبه إلى حد كبير علاقة الناخب الأميركي بمرشحي الرئاسة وأصبحنا نتعامل مع الانتخابات الأميركية وكأننا جزء من معادلة المشروع الانتخابي الأميركي الذي يتطلب من الرئيس القادم الالتزام به.

تفكيرنا نحن العرب يتقدم بكثير على واقعنا الحقيقي فنحن عندما نناقش السياسية الأميركية نناقشها كمتطلبات يجب تنفيذها لصالحنا بينما الحقيقة أن السياسة الأميركية تنظر إلينا كجزء من مشروعاتها الإستراتيجية والسياسية الدولية ومصالحها التي يمكن أن تصاب بالكثير من التحول، الحقيقة أنه لم يعد هناك أي أفكار يمكن تدولها حول من هي (الولاية رقم واحد وخمسين) التي كثر الادعاء بوصلها.

كيف نفكر بالرئيس الأميركي القادم (ترامب)..؟ الشعوب العربية وعبر تاريخ طويل من العلاقات مع أميركا تشكلت وجهة نظرها حول أميركا وفق مفاهيم متكررة مع كل رئيس جديد لهذه الدولة القوية، على الأقل خلال ربع قرن مضى أستطيع أن أثبت فيها أن وجهة النظر العربية على الأقل شعبيا هي ذاتها منذ ذلك الوقت تبدأ بشكل متشابه وتنهي بذات الصيغة وذات المفاهيم.

العرب شعبيا عندما يتابعون الانتخابات الأميركية فهم يتعاملون مع هذه الانتخابات وفق ثلاثة مسارات (يشككون في البداية، يرتبكون في الوسط، ثم يؤيدون في النهاية)، ومع كل هذا تظل السياسات الأميركية تتمحور دائما وأبدا حول مصالح أميركا الإستراتيجية فهي لا تتعامل مع الدول وكأنها المسؤول عنهم لأن السياسية الأميركية رهينة مصالحها دائما.

هذا الحديث لا يعني أبدا القوة المطلقة لأميركا وأنها تتحكم في العالم بشكل مطلق، ففي هذه الانتخابات التي أنتجت (ترامب) رئيسا لأميركا يولد رئيس أميركا الجديد في عالم مختلف، فلم يعد الاستئثار بالقوة عملية ميسرة فالأقطاب العالمية تزحف على المساحة الأميركية، فالصين وروسيا والهند كلها تتقدم المشهد العالمي، فخلال الثماني سنوات الماضية اختل التوازن وأنتج الارتباك في ميزان القوى الدولي.

هذا الارتباك الذي أحدثته فترة الرئيس أوباما أحدث هزة مؤثرة في عناصر القوى العالمية فالصين وروسيا والهند كلها مشاهد أدخلتنا نحن العرب سياسيين وشعوبا في دوامة الإحساس بأن القوى الجديدة والصراعات العالمية سوف تجعل من منطقتهم موقعا لإثبات تلك القوة وتعزيزها، الأخطر في منطقتنا أن تتمكن القوى العالمية من التنافس السياسي والإستراتيجي بينها في منطقتنا العربية وهناك الكثير من المؤشرات المقلقة في هذا الجانب.

العالم الذي يتغير يصيبنا نحن العرب بأكثر آثار هذا التغير السياسية والاجتماعية والثقافية، وما يحدث في أميركا أمر مقلق للعرب والخليجيين بشكل خاص فالارتباك السياسي المتمثل في اختيار الناخب الأميركي لرئيس يفتقد للكثير من الخبرات السياسية يضعنا أمام سيناريوهات متعددة حول الاتجاه الذي سوف يسلكه الرئيس الأميركي الجديد.

العرب والخليجيون (الشعوب والسياسة) بشكل خاص مطلوب منهم أن يبتكروا وسائلهم السياسية المناسبة للتعامل مع أميركا وعليهم أن يكونوا أكثر وضوحا مع شعوبهم حول أميركا، التي أصبحت جزءا من مكونات القوى العالمية وليست الكل المطلق. العرب الآن في طريقهم إلى منعطف جديد كمكون سياسي قومي فالصراعات التي تشهدها المنطقة ستفرض التغيير وسوف تنتج تكوينات سياسية مستحدثة لا يمكن التنبؤ حاليا باتجاهاتها هل هي طائفية أم قومية أم ماذا...!

دول الخليج التي حققت مكاسب سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية خلال العقود الماضية وعملت على بناء أبعاد اجتماعية وثقافية مهمة، وهنا يمكن القول إنها عمليا سوف تسعى إلى المحافظة على تلك المكتسبات، ولكن ذلك يتطلب منها بناء تحالفات أكثر عمقا مما لديها اليوم وتوحيد سياساتها الخارجية وتشكل قوة اقتصادية وسياسية تعكس حجم وجودها في المنطقة أما غير ذلك فالأمر مقلق في ظل هذه التحديات الأكثر شراسة في المنطقة.