يعقوب الشراح

الآن وبعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية، أصبح الهدف القادم هو متابعة ما ستؤدي إليه هذه النتائج من انعكاسات على عمل المجلس النيابي وعلاقته بالحكومة القادمة. لا شك أن المنتخبين بعد أن نالوا ثقة ناخبيهم أصبحوا أمام تحديات تتطلب تضحيات وجهودا وإخلاصا في تحقيق وعودهم أثناء الانتخابات والتي تصب في خدمة المواطن والبلاد، وليس طبعاً في السعي لخدمة الناخب الذي يريد كسر القانون أو التكسب الشخصي.

هناك الكثير من الملفات العالقة والساخنة التي بمرور الزمن تراكمت مشكلاتها وعرقلت التقدم، وأساءت للدولة والناس بسبب الأخطاء الحكومية والنيابية، خصوصاً بروز ظواهر يكرر الناس الحديث فيها مثل الصراعات بين الطوائف، والتكسبات غير المشروعة، واستغلال النفوذ، وحماية المفسدين، والاعتداء على المال العام في أكثر من مرة وموقع، وضعف الأداء والرقابة النيابية، وغيرها من ظواهر، للأسف، مازالت متجذرة في عقلية البعض، تُعاد ممارستها من دون محاسبة نتيجة ضعف القانون وتردي الأخلاق.

وإذا كان المجلس النيابي أمام تحديات كبيرة تفرضها الأوضاع المحيطة بالدولة، فإن المجلس أيضاً يقع عليه مسؤوليات حماية الدولة في الداخل بتشديد رقابته ومحاسبته للمسيئين والخارجين عن القانون، وبالعمل الجاد على المستويين، الأدائي أو المهني، والتعاون مع الحكومة، وعلى النحو الذي يخدم المصالح العامة... إن سلوكيات المجلس سواء كانت إيجابية أو سلبية لها تأثيرات بالغة على سلوكيات الناس، مما يعني أن الدور الوظيفي للمجلس وإن كان الرقابة والتشريع إلا أنه أيضاً يفترض أن يكون مثالاً للإخلاص في العمل واحترام القانون، وتأصيل ذلك في نفوس الناس، وخصوصاً العاملين في الأجهزة الحكومية التي بيدها مصالح الناس، ولا يثق المواطن بأدائها أحياناً، وقد ينتابه القلق من عدم تقيد هذه الأجهزة بالأنظمة الحاكمة لسلوكيات الإدارة الناجحة.

تشير إحدى الدراسات المهمة إلى أن نتائج استطلاع رأي المواطنين تجاه مجموعة من القضايا تضع التعليم أولوية تأتي على رأس سلم الأولويات مقارنة بالقضايا الأخرى كالصحة والإسكان والسكان والمرور والإدارة والمرافق وحماية المال العام وغيرها.

إن النهوض بالتعليم هو الأساس الطبيعي الذي يؤدي تلقائياً إلى معالجة المشكلات الأخرى في المجتمع. فالفساد الإداري، وضعف الأداء العام، واختلال الأمن، وضعف الوحدة الوطنية، والإرهاب، والغلو في الفكر، والطائفية، والتعدي على المال وغيرها هي أمثلة واقعية للخلل في القيم والأخلاق والمسؤولية والتي أساسها التعليم والوعي والتنشئة الاجتماعية.

فعلى مدى أكثر من عقدين لم تتمكن المجالس النيابية من إحداث تغيير في التعليم نتيجة اهتمامها بالمسائل الإجرائية للنظام التعليمي التي هي من اختصاص الحكومة. ففي الوقت الذي عليها أن تتعاون في إقرار استراتيجية تحقق طموحات وتطلعات الناس من التعليم نجدها منغمسة في توجيه الأسئلة والنقد للأوضاع التعليمية الحالية المزرية.

لا شك أن العمل الجماعي والتعاون بين مختلف الطوائف من النواب يرسخ التماسك الوطني، ويعيد الاستقرار السياسي الذي هو الأساس للتنمية. فإذا كان الجميع في قارب واحد، الحكومة والمجلس، فإن الولاء للوطن والعمل بمقتضاه يبدد الكثير من العقبات والمخاوف، ويساعد على معالجة الملفات المعقدة التي تحتاج إلى تضافر الجهود والإخلاص في النوايا والولاء للوطن. ولن يكون هناك مخاوف لدى الناس من أن المجلس النيابي بتكتلاته السياسية والقبلية يساهم في ترسيخ الطائفية، والإساءة إلى التماسك والوحدة الوطنية، ومضيعة الوقت في الصراعات، ومناكفة الوزراء على مسائل تافهة لا تخدم الشأن العام.