لا تضيعوا الكويت... ولا تتقاسموا كعكتها كأنها دولة إلى زوال

 

 

انتهت الانتخابات وفاز من حالفه الحظ ومنذ اليوم بدأت مرحلة جديدة يعلق الكويتيون الآمال فيها على النواب والوزراء الذين سيدخلون الحكومة الجديدة التي عليها مواجهة استحقاقات كثيرة تتعلق بالوضع الاقتصادي ومواجهة تبعات الازمة المستمرة جراء انخفاض اسعار النفط الدخل الاول وشبه الوحيد للدولة.

اليوم تطوى صفحة وتبدأ صفحة جديدة، يجب ألا تكون فيها اي من اخفاقات الماضي التي تسببت بكل الفوضى السابقة، خصوصا ما يتعلق منها بتعثر الاداء الحكومي والتأخر الكبير بالتنمية وتراجع الكويت عن مواكبة الركب. واليوم ايضا ثمة الكثير من الملفات غير القابلة للتأجيل لانها ستبقي البلاد في المربع الاول تدور في حلقة مفرغة، وهذا الامر يجب ان يكون نصب اعين الجميع، مسؤولين ومواطنين، موظفين ورجال اعمال ومستثمرين، اذا كانت ثمة ارادة فعلية لحماية الكويت على المستويين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يشكلان اساس الاستقرار الامني والسياسي، وبعيدا عن كل ما يدور عن احتمالات لاعادة حل المجلس المنتخب او ابطاله، يجب ان يكون العمل على اساس انه سيكمل مدته الدستورية، اي ان يعمل الجميع لدنياهم كأنهم يعيشون الى الابد، ويعملوا ايضا لاخرتهم بالامانة والصدق كأنهم يموتون غدا، ويتخلصوا من نزعات النفس التي تحيد المرء عن هدفه الاساسي، خصوصا ان المفترق الذي تقف عليه الكويت يحدد طبيعة المسيرة التي ستكملها في السنوات المقبلة، فاذا تقاعس الجميع عن اداء واجبهم الوطني فانهم سيأخذون البلاد الى الهاوية.
على هذا الاساس بات من الضروري اتباع الاساليب العلمية في الادارة، خصوصا ادارة الوقت لان الاستثمار فيه يحدد مستويات النجاح والفشل، ومما لا شك فيه ان هدرا كبيرا شهدناه في الماضي الى سلسلة الكوارث التي شهدتها البلاد في العقود الماضية، الاستثمار في الوقت يعني بالدرجة الاولى العمل على رفع الوعي بأهمية دور كل مواطن في عملية استكمال بناء وتحديث الدولة، ورفع الجودة في المؤسسات العامة التي هي صورة المجتمع، وليست الكويت بحاجة لان تبقى في مقاييس الفشل والنجاح والفساد والشفافية تحتل المراتب الاولى في هذا الشأن، بل انها احوج اليوم لان تنتقل الى المراتب الاولى بالاداء الجيد والشفافية، وهذا لن يتحقق اذا بقيت الذهنية الادارية على ما هي عليه لان في ذلك خروج عن طبيعة مسار الامور والتطور، خصوصا الاجتماعي الذي يمر في ثماني مراحل كي تتحقق الاهداف الوطنية الكبرى.
الكويت ليست مجتمعا غير علمي، رغم المظاهر السلبية التي نشاهدها، الا ان ذلك لا يلغي ان لدينا طاقات كامنة كبيرة تعرضت للتهميش في المرحلة الماضية بسبب تغليب مفهوم القبيلة والطائفة والانتماءات ذات التأثير السلبي على الحركة الاجتماعية، وهذا مرده في الاساسي الى الخوف من فقدان امتيازات حققتها مرحلة ما قبل الدولة القائمة على القانون والمؤسسات، فتشوهت كل الانماط، خصوصا الاداء الوظيفي، وتأثرت به الحركة الاقتصادية ففقدت الكويت دورها التاريخي في هذا الشأن، فاعتبر للاسف التركيز على بناء الحجر وتحديث البنى التحتية، والتطور التكنولوجي معيار التقدم، فيما بقي الانسان الذي هو المترجم والمستخدم لهذه الادوات على ما هو عليه فكانت المحصلة كارثية، لاننا استخدمنا التكنولوجيا في التعبير عن التخلف، وادخلنا اساليب ما قبل الدولة اليها وهو ما لا يتوافق مع طبيعة العصر الذي نعيشه.
صحيح سمعنا الكثير من الشعارات اثناء الحملات الانتخابية، وكان الخطاب المستخدم يعبر عن واقع مخيف، فقد تكرست فيه القبلية والطائفية، لكن رغم ذلك يمكن ان نجعل التسويق الانتخابي خلفنا اذا استطاعت النخبة التي اختيرت للتمثيل الشعبي في مجلس الامة ان تكرس خطابا وطنيا، خصوصا في ظل التنوع الموجود حاليا في مجلس الامة، واذا التزم النواب بشعار مكافحة الفساد وبناء دولة المؤسسات الذي رفعوه ايضا في تلك الحملات، وفرضوا بالتالي على الحكومة ان تتبع مسارا ايجابيا في عملية البناء، يكون اساسه المواطنة القائمة على اداء الواجبات من اجل الحصول عل الحقوق وليس الاخذ من دون عطاء، ومن دون عمل، وكأن المواطن يحصل على حصته من ثروة يعتبرها حقا خالصا له موروثة، وليست اداة لحياة ووطن ووحدة مجتمع.
هذه المسألة تستلزم منا ادراك اين اصبحنا في تراتبية الوعي الاجتماعي، التي يقوم سلمها على تسعة اسس، هي فهم معنى الوجود في محدد جغرافي ومجتمع معين اسمه الوطن، الارتقاء عن الفعل الغريزي الى الفعل المعقلن، الشعور بالحاجة الى التكاتف الاجتماعي كضرورة وجودية، السببية في العمل الجماعي، ترسيخ القيم المساعدة على الاستقرار الاجتماعي التي منها تشتق المعايير الواجب الاستناد اليها في العمل، وهي تؤدي بدورها الى نشوء السلطة وفهم آلياتها وعملها التي منها تنشأ القوة، وفي النهاية يؤدي ذلك الى وعي كلي بالادوار الواجب تأديتها في المجتمع.
تحقيق كل هذا اساسه تحديد احتياجات الامان داخل المجتمع، وللاسف في المرحلة الماضية غلبت الفردية على الجماعية، فكانت الانانية هي المعيار وبناء على ذلك تخلخلت الاسس الاجتماعية وساد الفساد الذي تحول معضلة لا يمكن الخروج منها الا بالعودة الى الفهم الصحيح للدور الوطني لكل انسان على هذه الارض، وهذه اليوم مهمة مجلسي الامة والوزراء لان من غير المقبول بعد كل ما شهدته الكويت في السنوات الماضية التخبط والارتجالية، وليفهم النواب ان انتخابهم ليس من اجل حصول كل منهم على حصته من كعكة الثروة، او تسهيل الفساد لاتباعهم ومنتخبيهم كي يبقى معول الهدم يضرب اركان الدولة، انما هم مؤتمنون على مجتمع ومستقبل شعب.
على النواب فرض منطق رفع الكفاءة في العمل المؤسساتي، ووضع مقاييس لتحقيق الجودة في العمل الحكومي، كما على الوزراء ان يكونوا بمستوى المسؤولية التي اختيروا من اجل تحملها، فلا يصرف مثلا 1،150 مليار دينار على العلاج في الخارج، ولا يبقى الباب الاول للموازنة يتضخم على حساب المواطن ومستقبله، ولا يهدر الموظف الوقت لانه يشعر بالحماية من المتنفذ او النائب او حتى الوزير، انما يعمل الجميع على اساس الشعور بالانتماء الوطني الحقيقي وليس الانتماء الى القبيلة او العائلة او الطائفة، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي سيواجهه كل من مجلس الامة والحكومة الجديدة، فهل ينجحان بالامتحان ام يفشلان ويضيعان الكويت والمستقبل؟