شمسان بن عبد الله المناعي

 عرفت دول الخليج العربية الديمقراطية منذ سنوات طوال، فكان حاكم الدولة له مجلس خاص به يلتقي فيه المواطنين كل أسبوع، ويتعرف على حاجتهم، فكانت العلاقة مباشرة بين الحاكم والمحكومين، ولكن مع تطور هذه المجتمعات وزيادة عدد السكان وظهور النفط والتغيرات الديموغرافية الأخرى التي أعقبت ذلك، ونشأت الدولة المدنية في هذه الدول، كان لا بد من إيجاد قنوات أخرى توائم العصر، فكان هناك التحول الديمقراطي المؤسسي الذي حدث في دول الخليج العربية، وإن تعددت أشكاله مثل المجالس الاستشارية ومجالس الشورى والبلدية، إلا أنها جميعًا تحقق مطالب شعوب المنطقة وتطلعاتها. وتنفرد كل من دولة الكويت ومن بعدها البحرين بنموذج مختلف، حيث اختصتا بالنموذج الليبرالي الغربي للديمقراطية، وهو وجود مجلس برلماني يأتي عن طريق الانتخابات.

والانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد حل مجلس الأمة السابق بقرار أميري، مثلت بداية جديدة للديمقراطية فيها، حيث اكتسحت المعارضة مقاعد البرلمان بفوزها بعدد 24 مقعدا، ونسبة كثيرة منها يمثلها الشباب، رغم أن التجربة الكويتية قديمة، حيث بدأت في عهد الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، الذي تولى الحكم عام 1950، وهو أول من دعا إلى تنظيم الحياة السياسية في الكويت ووضع دستور لها، وبالفعل فقد صدر أول دستور كويتي في 11 نوفمبر 1962، ومن هنا جاءت تسميته «أبي الدستور»، وصار من الآباء المؤسسين للديمقراطية في الكويت.
وجرت انتخابات أول مجلس نيابي في الكويت عام 1963، وفاز فيها من يسمون أنفسهم «التقدميين». وواجهت الديمقراطية في الكويت كثيرا من التحديات، حيث تم حل مجلس الأمة عدة مرات.. ومصدر التحديات أن المجتمع الكويتي مجتمع قبلي، حيث الولاء للقبيلة أو الطائفة الدينية، وهو الذي يحدد من يصل إلى المجلس.
ولقد تسببت مجالس الأمة المتعاقبة في الكويت في فترات ما في إعاقة كثير من المشاريع التي كانت الدولة بصدد تنفيذها، بسبب إضاعة وقت المجلس في خلافات ليس لها أي صلة بمصالح الشعب الكويتي، إنما هي تعبير عن خلافات قبلية وطائفية، وقد تكون في بعض الأحيان شخصية.
ورغم كل ذلك فإن الديمقراطية حققت للكويت نوعا من الوحدة الوطنية رغم تعدد الانتماءات القبلية والطائفية والمذهبية. وتجلت هذه الوحدة الوطنية في أوضح صورها عند الغزو العراقي للكويت بتاريخ 2 - 8 - 1990، حيث التف الشعب الكويتي وراء قيادته، وكان هذا عاملا قويا في تحرير الكويت، ومن هنا أصبحت الديمقراطية في الكويت مترسخة.
والانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت مثلت بداية جديدة للديمقراطية، كما يقول كثير من المراقبين والمحللين للشأن السياسي في دولة الكويت، حيث يقول الدكتور محمد الرميحي، إن «الانتخابات الحالية لافتة للنظر، لأن هناك كثيرا من المرشحين شباب، وكثير منهم ابتعد عن القواعد التقليدية السابقة التي هي القبيلة والعائلة والطائفة، وكثير منهم لديه مشروع حقيقي للكويت. وأعتقد أننا في بداية النضج الديمقراطي التي هي التحول من تلك القواعد الاجتماعية إلى قاعدة أوسع وهو الوطن والدولة». بيد أن الخوف على هذا العهد الجديد من الديمقراطية في الكويت، هو أن يلازم مسيرة الديمقراطية في الكويت التحدي الذي كان يلازمها دائمًا، وهو أن رموز المعارضة قد يستنفدون وقت المجلس في قضايا لا تخدم مصالح الشعب، وتلك مشكلة الديمقراطية في الكويت.. فهل يتحقق نوع من التصالح والتوافق بين الحكومة والمجلس أم تظل الديمقراطية الكويتية في محلها؟
والتحول الديمقراطي أصبح من أهم التغيرات التي تمر بها دول الخليج العربية رغم التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بهذه الدول، ففي السعودية مثلا هناك مجلس الشورى والمجالس البلدية والإصلاحات التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المجتمع السعودي مثل تطوير التعليم والخدمات الصحية والانفتاح على الثقافات في العالم.. هذه كلها تصب في صالح الديمقراطية، وذلك لأن الديمقراطية لا تختزل فقط في مجالس منتخبة، ولكنها بمعناها الأشمل حياة يعيشها المجتمع. وهناك قضية مهمة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وهي رغم تشابه الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي فإن ذلك لا ينفي أن تكون لكل دولة خليجية خصوصية في ممارستها الديمقراطية.
إن دول الخليج العربية بحاجة إلى تعميق تجاربها الديمقراطية، خصوصا في ظل التحديات التي تواجهها مثل الحروب الإقليمية التي تحيط بها، والمشكلات الاقتصادية التي تمر بها في ظل انخفاض أسعار النفط، ولذا تتطلع شعوب الخليج العربي إلى القمة المقبلة في ديسمبر (كانون الأول) بتفاؤل لتبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الديمقراطية في كل دولة. والديمقراطية هي شيء حتمي تفرضه الظروف السياسية والاجتماعية لهذه الدول، وتحقق نوعا من الشراكة المجتمعية لدول الخليج العربية في صناعة القرار لمواجهة المستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، فهل تساير دول الخليج العربية الأمم الأخرى في هذا المجال؟