حسين شبكشي

 أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «رمزا وأيقونة وبطلا» لبعض الساسة العرب، فقد يبدو ذلك مفهوما، فهم يرونه «المتصدي للغرب والإمبريالية»، ولكنه اليوم بات مضربا للأمثال في البطولة والقيادة في قلب اليمين الأميركي، وتلك مسألة بحاجة للفهم والتوضيح.

هناك أصوات متزايدة في المجتمع السياسي الأميركي ومن داخل التيارات المحسوبة على اليمين المتشدد تمجد وتحيي «كفاح» و«سياسات» بوتين، وتعتبره الزعيم المثالي لمبادئها المنكوبة، من حماية «المكانة» المميزة للرجل الأبيض في التاريخ البشري و«مكافحة التدهور اللامسيحي والمعادي للمسيحية».
هذا الرأي قاله بصريح العبارة ماثيو هايمباخ مؤسس حزب العمال التقليدي، وهو حراك يميني متطرف في الولايات المتحدة الأميركية. وهذا التصريح يأتي متناغما مع «إعجاب» الرئيس المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية الأخيرة بالرئيس الروسي، وهو الذي صرح بذلك الأمر في أكثر من مناسبة، وأثار وقتها الدهشة والاستغراب، ولكن اتضح فيما بعد أنه كان يخاطب «شيئا ما» في داخل الوجدان الأميركي الذي يقصده دونالد ترامب.
بوتين لا يخفي سياساته ومشاعره التي تحث على رفع «الوطنية» في بلاده وبلاد حلفائه، وهي كلمة ملطفة للتعامل المنهجي والعنصري والتمييزي والإقصائي مع كل من «لا ينسجم» مع مبادئ البلاد، وهي جملة مطاطية حمالة أوجه كثيرة.
وهذا الإعجاب طبعا ليس محصورا في أميركا وحدها، ولكنه موجود في أكثر من موقع بالقارة الأوروبية، فليس بخاف على أحد تقرب الرئيس الروسي بوتين من الكنيسة الأرثوذكسية والعمل دوما على الظهور بجانب البطريرك في مناسبات كثيرة، وهي سابقة جديدة لم تكن معهودة في روسيا، ولكن «تزكية» الدور الكنسي باتت من معالم المظهر والشكل الجديد للسياسة الروسية التي تتم قولبتها وتصديرها للعالم. فموقف روسيا المطالب بحماية الأقليات هو تحديدا لحماية البعد والعمق الكنسي في سوريا، للأهمية التاريخية للعلاقة بين الكنيستين في روسيا وسوريا، وكذلك تبني الحكومة الروسية خطا تقدميا في الوقوف ضد الزواج المثلي، وهي مبادئ تبنتها الحكومة من المبادئ المسيحية حرفيا. ولذلك ينظر اليوم لبوتين على أنه حامي «الرجل الأبيض» و«المدافع الأول عن الكنيسة»، وبالتالي ليس غريبا بروز قوة بوتين الذهنية اليوم في المجتمع الغربي والأميركي منه تحديدا، وهو اليوم يتم وصفه بـ«الفارس الآتي على حصان أبيض لإنقاذ الوضع»، لأنه يمثل «القوى البيضاء الأعظم على الأرض»، وهذه عبارات لا يمكن وصفها إلا بالفاشية والعنصرية، ولكن اليوم تحت غطاء «الوطنية» يتم الترويج لها وبدعم صريح وواضح من قوة عظمى، وهذه هي المعضلة الكبرى.
إذا كان تشي غيفارا رمزا للحرية والتمرد ذات يوم، فاليوم يروج لبوتين على أنه زعيم «الأقلية البيضاء» و«حامي الإرث الكنسي» تماما كما قيل ذات يوم عن أدولف هتلر!