سعد الحميدين

«أعتز بالدور الذي أديته خلال عملي في أرامكو السعودية منذ أن كنت ساعياً فيها، إلى أن أمسكت بدفة قيادتها، وأفخر بالسنوات الإحدى والعشرين التي توليت فيها وزارة البترول والثروة المعدنية»

(علي النعيمي)

الحياة تجارب، وهي على امتداد عمر الفرد كلما مر به الزمن امتد أمامه أفق وراء أفق ما يؤدي إلى شحذ همته للسعي لإدراك الأفق الآخر، وهكذا، فيمر بمراحل متعددة إذا ما أصر على أن يستمر في المسيرة، وهذا أمر حتمي تفرضه الحياة على الإنسان، فحسب نموه جسماً وعقلاً هو في تتبع لما يطرأ عليه من تقلبات حسب الهدف الذي رسمه له ذهنه كمتخيل لابّد من تحقيقه، أسوة بالمعايشين الذين يشاركهم في البرهنة على شغل المكان المخصص له، كما يشغل كل واحد منهم مكانه، فالهدف في الحياة أن تقوم بما أوكل إليك فطرياً، وواقعياً، فالإنسان هو الإنسان في كل مكان يعمر المكان بما يقدّم مع نظرائه من أفعال تخدم الجميع متنامية مع العمر الزمني الذي سيتحقق له أن يقضيه حياً كما كتبه له الخالق.

المهم في الحياة والمسيرة التي توفرت للإنسان أنها تختلف من شخص لآخر، وفي الاختلاف يكون التوافق والتآلف في سبيل المصلحة العامة المشتركة بين الأفراد من ناحية البناء والتطور، والعمل من أجل غد أفضل، ونظرة وتخطيط للقادم، فأجيال تدفع أجيالاً على مر الزمن.

من يعمل ويفيد يكون في الواجهة، فهو ليس لوحده ولكنه يرشد ويوجه بحسب قدراته وتجاربه التي مرت به، فهي الوقود الذي يسانده على استمرار العطاء إلى أن يصل خط النهاية التي هي حتمية لكل بداية.

ومادام لكل نجاح صورة يتوجب أن تكون مثالاً يحتذى سواءً عمداً، أو مصادفةً فإن المثال الذي يحفز الجيل المتطلع إلى البدايات والذي سيتحمل بدوره إشغال أماكنه بجدارة مهما كانت، فإن من كان ناجحاً بما قدم ثم حط الرحال، عندما يقدم على سرد سيرة حياته، فهو يقدم دروساً للأجيال، ويعطي صورة أن الحياة ليست سهلة، ومن أراد أن يصل إلى القمة يجب عليه أن يتعب ويقدم ما يتطلبه الواقع لكي يسلك الطريق السليم الموصل إلى المراد، وهذا المراد هو رسم الهدف والتوجه إليه بما يريد من أدوات مساندة تحتمها المسيرة، وهي في الأعم والأجدر تتأتى بالعمل بجد وصدق مع الذات، فمثل سير هؤلاء دروس نظرية وعلمية.

علي إبراهيم النعيمي نموذج يجسد النجاح، ففي كتابه (من البادية إلى النفط) يتحدث عن نفسه ولكنه في الحقيقة يروي تاريخاً له أثره في حياة البلاد، نمواً صناعياً، وتعليماً من خلال ما مر به في حياته الطموحة، ففي البادية ولد وشارك أهله في رعي الأغنام وتنقل معهم خلف السحاب بحثاً عن العشب والكلأ، فهو من يقول: «كنت محظوظاً لأني شهدت بداية النهضة وتباشير الازدهار، وقدر لي أن أنتقل من وظيفة لأخرى في القطاع النفطي لعدة عقود حتى تسنمت هرم شركة أرامكو السعودية فكنت أول رئيس تنفيذي سعودي لها، ثم عينت وزيراً للبترول والثروة المعدنية».

كان الطريق صعباً، فلم يكن ابن البادية عادياً في حياته، فقد كانت له بعض المواقف التي تنم عن أفكار رجل كبير في سن طفل، يقطع مسافة خمسة عشر كيلاً يومياً ليصل إلى المدرسة، ويكون من الأوائل، ويلفت نظر مدرسيه، وعندما سُئل لماذا لا تلبس الحذاء اتقاء البرد أو الهجير قال تعودت على ذلك، ولا أريدها أن تبلى، وفي أهمية يتوجب الوقوف عندها وهي تَخَيّل الهَدف، عندما سئل وهو في مدرسته الابتدائية: ماذا تريد أن تكون، وكان خلالها يساعد أخاه عبدالله الذي يعمل ساعياً في الشركة، حيث كان يأخذه معه ليرى ويوانسه ويساعده بعض الشيء قال: «أريد أن أكون رئيس شركة أرامكو».

كان الهدف، فدرس، وعمل ساعياً في الشركة، وتعلم، وركز في مواصلة التعليم باجتهاد منقطع النظير، فبز من حوله، فقربه بعض العاملين الذين يريدون أن يكسبوه لتفانيه في العمل ولجده في الدراسة، وتركيزه على أن يتعلم ويصل إلى الدرجات التي يطمح إليه وليس لها حدود، فكان الأنموذج للموظف المتفاني والعامل لأجل خدمة أمته مع اعتزازه بها في كل مناسبة أو محفل، ومع جِدِّهِ، فللمرح عنده مكان متى ما أتيحت الفرصة، في مناسبة وهو موظف كان يدرس في إحدى الجامعات الأميركية دراسته العليا بين ما يقارب تسعين طالباً أو أقل بقليل، يقول: «وفي أثناء احتفال في الجامعة سألتني إحدى الطالبات عندما علمت أني من السعودية: كيف وصلت إلى أميركا، أعلى ظهر جمل؟ فأضحك سؤالها بقية النساء، حاولت توظيف الموقف متذكراً أن طائرة أرامكو من نوع دوغلاس دي سي 9 التي أقلتنا من المملكة إلى أميركا في أربعة أيام، كان اسمها فعلاً (الجمل الطائر)، فأجبتها: نعم أتيت على متن جمل طائر، فدهشت السيدة، مما اضطرني لشرح الدعابة لها حتى فهمتها».

كتاب (من البادية إلى عالم النفط) جدير بالقراءة، فتجارب المسؤولين فيها ما يفيد أبناء الجيل الحالي والمستقبل، فسلسلة تربط بين ما كان وما هو كائن تشير بوصلتها إلى ما سيكون، وهذا ما عمل عليه البدوي، والساعي، والطالب، والجيولوجي، ورئيس أرامكو السعودية، ووزير البترول والثروة المعدنية (سابقاً)، والمستشار في الديوان الملكي، فقد تضمن الكتاب الإشارة إلى عدد من المواضيع والمشروعات التنموية في المملكة، وبعض الفوائد التي يستفيد منها المطلعون.