يوسف مكي

تطوير المؤسسات البحثية يقتضي الاهتمام بالمناهج البحثية في الجامعات ومعاهد الدراسات العليا، والانتقال بالبحوث من الجانب الوصفي إلى الجانب التحليلي

حضر موضوع مراكز البحوث بقوة في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، لهذا العام، الذي يعقد في مدينة أبو ظبي. وقد تلقيت دعوة كريمة للمشاركة فيه وتقديم ورقة تحليلية عن دور مراكز البحوث في دول مجلس التعاون الخليجي. 
وقد أكد الرصد لدور مراكز البحوث العربية، بشكل عام، صورة سوداوية عن واقع هذه المراكز، كما أكد أن أوضاع المراكز البحثية، حاليا في دول مجلس التعاون هي أفضل بكثير، كما ونوعا مما هي عليه في معظم الأقطار العربية. وتتجلى هذه الحقيقة إذا ما قورنت بالفترة التي بدأت بها هذه البحوث أنشطتها في بقية الدول العربية بوقت مبكر، وبشكل خاص مصر والعراق وسورية ولبنان، وبلدان المغرب العربي، وبين كونها نشأت متأخرة في دول الخليج العربي.
فكما أشارت دراسة الدكتور أنطوان زحلان الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، تحت عنوان البحث والتطوير إلى أن إنتاج 33% من جميع المنشورات العلمية في عام 1995 في الوطن العربي، جاء من بلدان مجلس التعاون الخليجي، الذي يشكل تعداد مواطنيه نسبة 9% فقط من مجموع سكان الوطن العربي. 
لكن هذه القراءة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الوفرة المالية لهذه الدول. فبلدان الخليج العربي هي في معظمها من الدول المنتجة للنفط والغاز، ولذلك يعزى التطور الذي حدث في ميدان البحوث إلى وفرة المال وإلى طموح هذه البلدان لتحقيق التنمية، واستكمال البنية التحية، وبناء هياكل دولها على أسس عصرية.
ليست هناك إحصاءات دقيقة لعدد المراكز البحثية في دول مجلس التعاون الخليجي، سوى التقديرات التي صدرت من جامعة بنسلفانيا، عام 2016. وهي تقديرات بنيت على ما هو متوفر لها من معلومات عن منجزات مراكز البحوث، وربما لا تعكس بالدقة واقع هذه المراكز، وحقيقة إنجازاتها. 
وعلى نقيض تقدير جامعة بنسلفانيا، التي تقصر مراكز الدراسات والبحوث في المملكة العربية السعودية إلى أقل من 10 مراكز، أصدر المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، قائمة حديثة لمراكز الأبحاث في السعودية، صدرت في هذا العام 2016، تشير إلى وجود أكثر من 100 مركز بحثي في مختلف المجالات بالمملكة. وقائمة أخرى، لمراكز البحوث في قطر، عن المكتبة الوطنية تحت عنوان دليل مؤسسات ومراكز البحوث في قطر. وما عدا ذلك لا توجد قوائم متكاملة للمراكز البحثية، في بقية دول مجلس التعاون، رغم ما هو معروف، من أن دولة الكويت كانت سباقة في تأسيس مراكز البحث العلمي.
تشير دراسة المعهد المصري للدراسات الإستراتيجية والسياسية إلى أن عدد مراكز البحوث بالجامعات السعودية 100 مركز بحثي منها 20 في جامعة القصيم، و17 في جامعة الملك سعود، و11 في جامعة الملك عبد العزيز. إلا أن الجسم الأساسي لهذا القطاع في المملكة، هو الجمعيات الخيرية، وهو أمر قانوني؛ فرضه نظام الجمعيات الأهلية المعمول به في المملكة.
أما قائمة المكتبة الوطنية القطرية، فإن تقديراتها تشير إلى وجود 37 مركزا بحثيا، تضم مراكز بحوث زراعية وطبية، واجتماعية وثقافية وتربوية واقتصادية ودينية وإعلامية، وبحوث في البيئة والطاقة. لكن هذه القوائم، لا تعبر بشكل دقيق عن حقيقة فاعلية هذه المراكز. فكثير من المراكز البحثية التي تم ذكرها ليست معروفة وليس لها نشاط يذكر. بل إن بعضها لم تصدر عنه أية دراسة بحثية، مما يضع علامات استفهام على تصنيفها ضمن قائمة المراكز البحثية بالمملكة، أو في دولة قطر. 
وعلى الرغم من ذلك، وحتى لو أخذنا بمصداقية هذه القوائم، فإن التقدم الحاصل في عدد ومهام مراكز البحوث بالمملكة، يصطدم بحقيقة، أنها لا تزال وفقا لمركز فورين بوليسي للأبحاث Foreign Policy Research Institute في قائمة أقل الدول في هذه المراكز، بثلاثة فقط.
وقد استهدف معهد دراسة السياسات، مراكز الأبحاث التي تقوم بدور حيوي في مجال صُنع السياسات العامة. وبشكل خاص تلك التي تنشط في مجال الأبحاث والمؤتمرات والندوات وورش العمل والمجلات الدورية، والتي تقوم بتسليط الضوء، والمساعدة وتقريب وجهات النظر، بين الجمهور وأصحاب القرار في القضايا الحيوية الاستراتيجية أو الطارئة.
ويرى بعض الباحثين أن نجاح مراكز الدراسات والبحوث هو رهن لاستقلاليتها وعدم تأثرها بالقضايا اليومية والإجرائية، التي هي من خصائص الأجهزة الحكومية. إن ذلك سوف يتيح لهذه المراكز النظرة الشمولية والفاحصة التي تحقق مصلحة المجتمع. ويشيرون إلى أن المملكة "مجتمع بلا مراكز أبحاث متقدمة ومستقلة وفاعلة"، ويرجع هذه المشكلات إلى ضعف مراكز البحوث في الدولة، وإلى مشاكل أخرى تتعلق بالبيروقراطية والروتين.
وفي هذا السياق، يرى بعض الباحثين أن تطوير المؤسسات البحثية يقتضي التركيز على نقطة البداية، وهي الاهتمام بالمناهج البحثية، في الجامعات، ومعاهد الدراسات العليا، والانتقال بالبحوث من الجانب الوصفي إلى الجانب التحليلي. ولسوء الحظ، فإن الجامعات العربية بشكل عام، وبضمن ذلك برامج الدراسات العليا، لا تعطي اهتماما كبيرا، لدراسة مناهج البحث العلمي، بكافة تشعباتها. ودول مجلس التعاون الخليجي ليست استثناء في هذا السياق.