رائد جبر 

كشف رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أن المجلس يعتزم الإعلان عن «خريطة طريق سياسية جديدة للوفاق في البلاد» بحلول 17 الشهر الجاري وهو موعد انتهاء الولاية المفترضة لحكومة الوفاق التي لم تنل قط ثقة البرلمان.

وقال صالح في حديث إلى «الحياة» في موسكو أن خريطة الطريق تقوم على العودة إلى المسودة الرابعة في الدستور وإعلان مجلس رئاسي ثلاثي والفصل بين هذا المجلس الرئاسي ورئاسة مجلس الوزراء.

ولفت رئيس مجلس النواب (البرلمان) الليبي إلى تفهم روسي واسع لمواقف المجلس، كما نفى بحزم صحة إشاعات عن احتمال السماح بتواجد عسكري روسي في ليبيا، لكنه أشار إلى تعزيز الدور السياسي لروسيا وتوسيع التعاون معها في مجالات التدريب والدعم على مستوى الخبراء.

وأشاد رئيس البرلمان المنتخب والذي يتخذ من طبرق مقراً له، إلى علاقة المجلس الاشتراعي مع الجيش الذي وصفه بأنه «محترف ويقوم بتطهير ليبيا من الإرهاب»، ودعا المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في موقفه من الجيش، واستبعد في شكل مطلق أي احتمال لأن يلعب الجيش دوراً سياسياً في البلاد، مشدداً على أهمية «المحافظة على نظام انتخابي تداولي يتم الركون من خلاله إلى صناديق الاقتراع.وفي ما يأتي نص الحديث:

> ما تقويمكم للمحادثات مع المسؤولين الروس؟

- نشعر بارتياح كبير لنتائج المحادثات التي كانت جيدة وتستجيب لتطلعات الشعب الليبي. وروسيا لها دور عريق في دعم حركات التحرر والأنظمة العربية التي ترفع الشعارات الوطنية وهي داعمة حالياً للشرعية الليبية. ولمسنا في موسكو الحرص على ضرورة احترام الشرعية وعدم الاعتراف بأي حكومة لا تحظى بثقة البرلمان، ولا اعتراف بوفاق سياسي لا ترافقه تعديلات في الدستور الليبي.

> تسعى روسيا لتعزيز دورها في المنطقة ما هو طموحها في ليبيا؟

- نحن نرحب بطبيعة الحال بتعزيز الدور الروسي في ليبيا ومن الواضح أن روسيا لديها الرغبة بأن يكون هناك وفاق حقيقي بين الليبيين، وأن يمنع التدخل الأجنبي في الشأن الليبي ويُترك لليبيين اختيار من يحكمهم وحل مشاكلهم بأنفسهم، على أن يقتصر دور المجتمع الدولي على الرعاية أو المساعدة والمساندة.

> ثمة تكهنات عن إقامة قاعدة عسكرية روسيا في ليبيا...

- هذا غير وارد بتاتاً، ولا يمكن إقامة أي قاعدة عسكرية لروسيا ولا لغيرها، والوجود العسكري الأجنبي على الأراضي الليبية مرفوض. أما المطلوب من روسيا وغيرها، فهو تقديم دعم لوجيستي وفي مجال الخبرات، والحديث يدور على مستوى الخبراء عن التدريب والتنظيم وغيرها من الأمور.

الجيش والميليشيات

> قبل أيام زار المشير خليفة حفتر روسيا وناقش التعاون مع الروس.

- المشير حفتر هو قائد الجيش الليبي وهو جيش محترف ونظامي، لديه كلية عسكرية وأماكن تدريب، ويضم في صفوفه عسكريين من كل أنحاء ليبيا. وهو مكلف من مجلس النواب ويحارب الإرهاب بكفاءة عالية. وندعو الجميع إلى زيارة ليبيا حتى يعرف أن المشير حفتر يقود جيشاً وليس ميليشيات كما فعلت حكومة السيد (فائز) السراج عندما هاجمت حقول النفط.

> هناك طرح في ظل الوضع الاستثنائي بأن يتولى الجيش مهمات تنفيذية، خصوصاً أنه يقوم ببعض هذه المهام مثل الأمن والدفاع، هل تعتقدون هذا الطرح ممكناً؟

- هذا غير وارد، لا علاقة للجيش بالسياسة، ولا يمكن التفكير بتكليف الجيش بمهمة سياسية. وبعد تحرير البلاد إذا أراد أي من ضباط الجيش دخول معترك السياسة فعليه أن يخلع البدلة العسكرية وأن يتوجه إلى صناديق الاقتراع التي لا بديل منها، ويجب أن تحترم، وعلى المجتمع الدولي أن يؤكد أن الأمور لا تنتهي إلا عن طريق الانتخابات، احتراماً للديموقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة. وحتى لو تحدثنا عن ظروف استثنائية أو طوارئ هناك نظام لها، وكل شيء يجب أن يخضع للقانون ويكون تحت رقابة السلطتين القضائية والاشتراعية.

المجتمع الدولي يحاصر الجيش

> لكن الميليشيات تحولت أمراً واقعاً، ونفوذ الجيش وشعبيته ليسا مترجمين عملياً...

- الشعب الليبي ملتف حول الجيش الذي يسيطر حالياً على نحو 80 في المئة من الأراضي جنوب ليبيا وشرقها كاملاً وهو موجود في غرب ليبيا، ولدينا ضباط تخرجوا من الكليات العسكرية ويحظون باحترام الليبيين. وهو قادر على القضاء على هذه الميليشيات. «داعش» وتنظيمات أخرى، لم تكن موجودة في ليبيا ولن تستطع الحضور فيها طويلاً وتكاد تكون انتهت حالياً، باستثناء سرت وبنغازي. وهناك دول تتعامل مع الميليشيات وترسل السلاح الخفيف والثقيل، وهذا باعتراف قادة ميدانيين أسروا في الهلال النفطي، في حين أن المجتمع الدولي، للأسف، يحاصر الجيش الليبي النظامي ويمنع تسليحه.

> قريبا تنتهي فترة السنة المحددة لعمر حكومة الوفاق بموجب اتفاق الصخيرات، ما هي الخطوات التي ينوي البرلمان اتخاذها؟

- البرلمان الليبي سلطة اشتراعية منتخبة، وهي تحرص على احترام الدستور والقوانين، وبالتالي فإن ما يتجه إليه حالياً هو وضع خريطة طريق جديدة، باعتبار أن اتفاق الصخيرات لم يتم التوافق عليه ولم يشرعن في الدستور.

المجتمع الدولي يطالب بأن تكون في ليبيا حكومة موحدة ونحن سعينا في هذا الاتجاه، خصوصاً أن الخصومة كانت بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته. لكن المشكلة أن ممثلي الأمم المتحدة بدلاً من أن يحل الخصومة بين الطرفين، أدخل أطرافاً لا علاقة لهم بالقضية وأشخاصاً لا يمثلون شيئاً، ما أربك المشهد أكثر. نحن نريد حكومة وحدة وطنية لكن لا يعني هذا فرض أشخاص علينا. نحن اعتراضنا على أشخاص وليس على فكرة الدمج، ونحن نريد الوحدة في ليبيا في كل شيء.

> مـــا هــي الخطــــوات التي ستقومون بها؟

- الوفاق السياسي عبارة عن اقتراح لحل المشكلة في ليبيا، لكن لا يكتسب الشرعية إلا بعد اعتماده من مجلس النواب، وأيضاً عبر تضمينه في الإعلان الدستوري. هذا الأمر لم يتم على مدار سنة. تم تقديم حكومة مرتين وفشلت في نيل الثقة مرتين ولا يمكن تقديمها مرة ثالثة بحسب نظام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الذي تنتهي ولايته في 17 الجاري. ومجلس النواب سيعلن أن هذا المجلس (الرئاسي) فشل في أداء مهماته وسنقدم خريطة طريق بديلة تتضمن الفصل بين رئاسة المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء، لأننا نريد ديموقراطية على قياس ليبيا لا على قياس مصالح خارجية.

وبالتالي فإن الخريطة الطريق هذه تعيدنا إلى المسودة الرابعة لاتفاق الصخيرات التي تتضمن مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء، وطلب فصل وظيفة رئيس مجلس الوزراء عن المجلس الرئاسي حتى يستطيع مجلس النواب أن يسحب الثقة من دون أن يسقط المجلس الرئاسي. أيضاً القائد الأعلى للجيش تبقى مرجعيته في مجلس النواب.

في الشأن الليبي يتم التدخل الخارجي على مستوى المناطق وعلى مستوى الأشخاص وعلى كل المستويات، بقصد تمرير أشخاص معينين أو حكومة معينة لا بقصد مصلحة ليبيا ولا مصالح الليبيين، هذا الأمر انعكس بشكل يضعف مجلس النواب.

لكن هذه التركيبة لم تستطع تقديم شيء بدليل أن المجلس الرئاسي لم يستطع الاستقرار في العاصمة إلا تحت حماية الميليشيات. والذين تم الاعتماد عليهم في الصخيرات لم يمثلوا أحداً ولم يكونوا مفوضين من أي طرف بالتوقيع على اتفاق. حتى من حيث المبدأ من وقعوا في الصخيرات ليس لهم الحق ولا التفويض بينما اختار ممثل الأمم المتحدة مجموعة من الأشخاص لتمرير هذا الاتفاق الذي لم يستطع تقديم أي شيء على صعيد الوفاق، وهذا غير ممكن ما لم يعاد النظر في هذا الاتفاق السياسي من جديد.

> وجه المجلس انتقادات أكثر من مرة إلى أداء مندوب الأمم المتحدة، هل لديكم تحرك على هذا الصعيد؟

- نحن ماضون في اتجاه الطلب من مجلس الأمن إبدال مندوبه إلى ليبيا. السيد مارتن كوبلر لم يستطع أن يقدم أي شيء ولن يستطيع، ولم يكن لنا رأي بصراحة، لأننا كنا مغيبين عن بعض الاجتماعات التي يجب أن يكون مجلس النواب طرفاً أساسياً فيها. لذلك لا بد عند اختيار أي مندوب أو ممثل للأمم المتحدة أن يكون لنا رأي في الموضوع، لأن هذا الشخص ينبغي أن يكون راعياً أو مشرفاً ولا ينبغي أن يكون حكماً أو حاكماً لليبيا كما يمارس السيد كوبلر. وللأسف من قبله السيد (برناردينو) ليون هذا ساهم في إرباك المشهد في ليبيا أكثر، عبر تدخله بهذه الطريقة في الشأن الليبي واجتماعه مع أي طرف من دون الاعتماد على المؤسسات الرسمية والأجسام الفاعلة في الشأن الليبي.

بمجرد استلام الأمين العام الجديد للأمم المتحدة سنخاطبه بما لقيناه ولمسناه من عدم قدرة السيد كوبلر على أداء مهامه، ولأخذ رأينا بمن يكلف كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا حتى يكون مقبولاً من كل الأطراف، أو على الأقل حتى لا تكون ثمة اعتراضات على شخص معين قد يكون موقفه من بعض الجهات معروفاً مسبقاً. وليتمكن من أداء مهامه بفعالية وبمساعدة من جانبنا.

عائدات النفط

> أين تذهب حالياً عائدات النفط الليبي، تحت تصرف الجيش أم المصرف المركزي؟

- عندما أعلن رئيس مؤسسة النفط أن الميليشيات المسيطرة في مناطق النفط تسببت في خسارة مئة بليون، وهذه خسارة للشعب الليبي، اضطر الجيش أن يطرد هذه الميليشيات وقام بتسليم المنشآت النفطية فوراً خلال 48 ساعة إلى مؤسسة النفط. ودخل النفط يرد إلى المصرف المركزي في طرابلس لكل الليبيين.

> لكنكم عزلتم حاكم المصرف المركزي ما هو الوضع حالياً؟

- ما حصل مع محافظ المصرف المركزي هو نتيجة خطأ آخر من أخطاء تدخل المجتمع الدولي، لأن تعيين حاكم المصرف المركزي اختصاص أصيل من صلاحيات مجلس النواب. حتى في ظل الاتفاق السياسي، لكن بسبب التدخل، بدأ التعويل على أشخاص معينين وكان السيد الصديق الكبير متهم بدعمه لهذه المجموعات المسلحة. لكن الآن الوضع تغيّر والتعامل مع الدخل في المصرف المركزي تغير.

السيد السراج اقتنع الآن بأننا جهة شرعية وأنه لا يستطيع أن يصرف الأموال إلا بناء على موازنة معتمدة من مجلس النواب، لكن السيد السراج لم يمدد له أبداً حتى هذه اللحظة، وهو موجود فقط عن طريق الدعم الدولي والمحافظ المكلف من جانب مجلس النواب هو السيد علي الحبري، لأن هذا شأن داخلي وشأن اختصاصي لمجلس النواب. وهذا الأمر يعكس مجدداً نتائج التدخل الدولي الواضح في الشأن الليبي، والذي لا مبرر له ومخالف للقانون والأعراف وحتى كل القوانين المالية.

مجلس النواب انتظر طويلاً لعله يصل إلى حوار حقيقي، ولعل الصورة تصل إلى المجتمع الدولي الذي بدأ بالمناسبة يتفهم أخيراً الوضع الحقيقي في ليبيا، لذلك نحن نتجه بعد 17 الجاري إلى قرارات حاسمة ستكون لها تأثيراتها في القضية الليبية.