سمير عطا الله

 أمضى سمير صنبر 33 عامًا في الأمم المتحدة، بدأت برحلة إلى اليمن وانتهت وهو أمين عام مساعد. ثلاثة عقود في منظمة تتابع أحداث العالم كل يوم. بدأها الصحافي السابق مع موجة الاستقلال التي كانت يومها تعم العالم الثالث. وبعدما كان الصحافي يسافر إلى الدول لاستطلاع أحوالها، صارت تأتي ومعها أحوالها إليه.
يسرد سمير صنبر ذكرياته في هيئة الأمم مثل «مفتش دولي عام». يدخل بصفته الرسمية القاعات المغلقة، ويهمس إليه الضيوف والسياسيون والمراسلون بالمعلومات
المطبقة. تراه في كل مكان من المبنى الأزرق: مجلس الأمن، الجمعية العامة، وفي العواصم التي انتدب إليها مبعوثًا خاصًا، مثل إريتريا، التي أشرف على ترتيبات الاستقلال فيها. ولقد عرف الأمناء العامين عن قرب، من يوثانت البورمي، إلى الغاني كوفي أنان. ويروي كيف تدور معارك انتخاب الأمين العام في الأروقة، وكيف يفوز الضعفاء والأقل حظا، مثل كورت فالدهايم، الذي أصبح فيما بعد رئيس النمسا، ويسعى بان كي مون الآن لأن ينتخب رئيس كوريا الجنوبية. وأخفق السنيور خافيير دي كويار في أن يصبح رئيس بلاده، ألبيرو. وهكذا كان يحلم أيضًا كوفي أنان. أمم صغيرة وكبيرة في «هيئة» الأمم. رئيس وفد إحدى الدول الصغيرة، كان هو أيضًا من أعضاء الوفد ومستشاريه، وهو الطابع على الآلة الكاتبة وثائق الوفد.
لم يلتحق صنبر بالمنظمة أيام أشهر قادتها، داغ همرشولد، بل جاء مع خلفه يوثانت. ويلاحظ أن يوثانت كان على عداء مع أربع من الدول الخمس الكبرى ويبحر في أنواء صعبة. وأما خلفه فالدهايم، فكان يساير الجميع طمعًا بولاية ثانية وثالثة. وكان خلفه دي كويار دبلوماسيا من طراز رفيع، يعد للحلول وراء الستار قبل مناقشتها في العلن. بطرس غالي كان يعتبر أن الأمانة العامة شريكة مع مجلس الأمن في أعماله. وكوفي أنان كان يرفض تلقي التعليمات من أي حكومة بما فيها حكومة بلاده.
المراسلون في هيئة الأمم لهم عالمهم الخاص. نادرًا ما يغادرون المبنى الذي تعقد فيه المؤتمرات واللقاءات، فيه مكاتبهم المجانية، والمطاعم المدعومة الأسعار. ومع الوقت والتجربة أصبحوا يفهمون فورًا الإشارات اللغوية. فقد ظلت بغداد تعتقد أن ليس من ضربة أميركية كبرى على الرغم من قول الناطق في الخارجية الأميركية إن «حبل الصبر ينقطع»، وقول الناطق في البنتاغون إن «القطار يغادر المحطة». لكن المراسلين فهموا الإشارة عندما قال الأمين العام كوفي أنان «إن صدام على شفا كارثة».
في كتابه الجديد «الأمم المتحدة في عالم بلا مقود»، يبسط سمير صنبر فصولاً من حياة الكوكب، كما شهدها خلال ثلث قرن، ودائمًا بموضوعية مهنية وشفافية أخلاقية وأسلوب جذل.