جماعة «العدل والإحسان» المغربية ذات المرجعية الإسلامية تطلق دعوة للحوار المجتمعي

محمود معروف

 أطلقت اقوى الجماعات المغربية ذات المرجعية الاسلامية دعوة للحوار بين اطياف الفعل المجتمعي المغرب من اجل «البناء المشترك» وجددت دعوتها لميثاق عدم الاعتداء على الانسان، واذا كانت الدعوة لم تستثن احداً، فان صيغة الدعوة موجهة اساساً لـ«للحداثيين» او اليساريين الراديكاليين الذين شهدت السنوات تقارباً فيما بينهم.

وجاءت دعوة الحوار التي اطلقتها جماعة العدل والاحسان (شبه محظورة) عنوان ندوة نظمتها اول امس السبت في مقرها في مدينة سلا بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل مرشدها عبد السلام ياسين بمشاركة يساريين مغاربة واحزاب ذات مرجعة مغاربية اسلامية وايضاً في حفل التأبين الذي اقامته امس الاحد، واجابت به بطريقة غير مباشرة على اسئلة مباشرة حول رؤيتها ومقاربتها لمجموعة من القضايا طرحها اليساريون في الندوة خاصة حول الدولة وهويتها. 
وقال محمد العبادي الامين العام للجماعة في حفل التأبين ان جماعته تريد دولة القرآن ودولة الإحسان ودولة الانسان «الدولة الاسلامية هي الدولة الانسانية، التي تتلاءم أحكامها مع فطرة الانسان، هذا ما نريده بعدما سئلنا أمس عن الدولة التي نريد».
وجدد في الحفل الذي حضره ممثلون لهيئات حزبية وسياسية تضم قيادات من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورئيس حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحزب الرئيسي بالحكومة، دعوة صريحة للحداثيين من أجل الحوار وقال «سنبقى دائماً على استعداد وكلنا عزم وثقة في رحمة الله عز وجل لمد اليد إلى الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة والاستعداد النبيل» و»سنبقى كذلك حتى نعقد ميثاق عدم عدم الاعتداء على الإنسان ميثاق رفق فعال ونشيط وباذل إننا كذلك حتى نقضي على الإقصاء والحقد العنصري واحتقار خلق الله عز وجل والعنف على الإنسان والوسط الحيوي للإنسان».
واضاف ان «الحوار أمر الله به، غاية خلقنا من أجلها ونحن على استعداد أن نتعاون على هذا مع الجميع مسلمين وغيرهم وإن لم نحمل رسالة الإسلام إلى من نحاورهم نكون قد خناه» .
ودعا مختلف الفرقاء إلى كلمة سواء «تعالوا أيها الأحبة نعمل جميعاً أن نقيم دولة سئلنا عنها، أي دولة تريدونها؟.. فنحن نقول نريد دولة القرآن، دولة الإحسان، دولة الإنسان، فالدولة الإسلامية هي دولة الإنسانية» .
وناقش حقوقيون وباحثون وسياسيون ضرورة إطلاق حوار وطني من أجل تجاوز المرحلة الراهنة، متوقفين عند أهم معيقات الحوار والسبل التي لا تجعله يحقق غايته المرجوة، وحددوا أبرز هذه المعيقات في «استبداد الدولة».
وقال الدكتور رياض الشعيبي الأمين العام لحزب البناء الوطني التونسي بأن «الاستبداد السياسي في الوطن العربي استفاد أكثر من تفرق واختلاف الفاعلين والأحزاب والحركات» ، إذ كلما زادت هذه الفرقة تقوى الاستبداد وتغول.
وتطرق لتجربة الحوار بين فرقاء المشهد التونسي، متحدثاً عن تجربتين جمعتا الأحزاب والمكونات هناك؛ الأولى جاءت على هامش المؤتمر الدولي للمعلوماتية بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو ما سيؤسس لاحقاً للاتفاق على دستور 2014. وأكد أن الجلسات الأولى تميزت بالصعوبة لكن سرعان ما تم تجاوزها، مشيداً بانتهاج الحوار مسار متوازٍ بين الحوار الفكري من جهة والحوار السياسي من جهة ثانية.
وعرض الشعيبي لأهم القضايا الفكرية التي تمحور حولها النقاش وهي أربع قضايا أساسية: الموقف من المرأة، الحرمة الجسدية، الديمقراطية، الهوية والدين والدولة. مشدداً على أن التقدم في الحوار الفكري كان ينعكس تلقائياً على التقدم في المسار السياسي.
أما التجربة الثانية فهي تجربة الحوار الوطني سنة 2013، مذكراً باختلاف الدوافع والسياقات عن الحوار الأول، معتبراً أن الحوار ما بعد الربيع العربي كان حواراً لتقاسم السلطة في وقت كانت فيه الشرعية الانتخابية غير كافية ليلجأ المختلفون إلى الشرعية التوافقية.
وأنهى الباحث والسياسي التونسي حديثه بالقول بأن الحوار الأولى أفضى إلى اتفاقات ثقافية وفكرية أما الحوار الثاني فوقف عند حدود تسويات سياسية التي شكلت غطاء للفساد.
وقدم المؤرخ والفاعل المدني اليساري، المعطي منجب في ندوة «الحوار وضرورة البناء المشترك» مداخلة بعنوان «الإشكاليات الثقافية والتحديات السياسية للحوار اليساري الإسلامي» وكانت مداخلة مثيرة بالأسئلة التي اختتم وتمحورت المداخلات التالية بالتعقيب عليها وقال ان الأسئلة التي وجهها تراود اليسار حول مشروع الجماعة «أمام التحولات المجتمعية، ورؤيتها السياسية لفكرة التغيير».
وقال منجب أن «المغرب لا يعرف «الانقسام المصطف»؛ وهو التضاد والاختلاف الكلي لمجموعة على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي مع مجموعات أخرى» لكن هناك مقاربات مختلفة حول مثلا الحريات الفردية والعامة، إذ أن «الحريات العمومية لا تطرح إشكالاً في المجمل كاختيار الحاكم وحرية التنظيم والعمل، ولكن الحريات الفردية تثير إشكالا بين الاتجاهين».
وأوضح ان المغرب والمحيط الاقليمي يعرف على مستوى الخلفية العميقة تحولات عميقة، وهي تحولات لم تثأر بها لا المنظومة الحداثية ولا المنظومة المحافظة، اللتان لهما انعكاسات متباينة على سلوك الأفراد، وقال إن «الطابع السلطوي» للمنظومتين وهو ما يتجلى في مؤسسات التنشئة الاجتماعية ومنها الكتاب والأسرة والمدرسة والقبيلة والدولة والمؤسسات الدينية، مذكراً بدعوة الكواكبي للتعليم والتنوير والحكم التشاركي.
وشدّد رئيس جمعية «الحرية الآن» على أن «النظام السياسي متخوِّف من «الموجة الإسلامية»، بعدما كان حارب الموجة اليسارية في ستينيات القرن الماضي وأضاف «(الملك) الحسن الثاني هاجم المرأة العصرية في وسائل الإعلام الرسمية، وعمل على تعميم المسيد لأنه يربي الشخصية الخنوعة، بينما وليّ العهد آنذاك كان يوفر له أحدث وسائل التربية وكانت تأتيه الكتب من فرنسا، كما أُضعفت الفلسفة في الثانويات، وأزيلت العلوم الاجتماعية وعوضت بالعلوم الإسلامية التي تمجد إمارة المؤمنين والحسن الثاني كان يقول إن الشعب الأمّي هو أسلس من الشعب المتعلم». ودعا منجب الى ضرورة خلق ائتلاف يضم مختلف القوى، ودستور يجعل من الشعب المغربي صاحب السيادة الوحيد ويحترم الكل.
وتحدث الناشط الحقوقي عن إشكاليات الحوار ما بين اليسار والاتجاه الإسلامي المستقل عن السلطة «ليس هناك إجماع حول بعض المفاهيم، مثل المقدس والحرية وغيرهما، ناهيك عن كون الكل سلطوياً، أو يكاد، سواء الأحزاب او الجمعيات وغيرها، إضافة إلى التعقيدات والمشاكل التي تظهر في ما يتعلق بالحريات الفردية والعامة ما بين الاتجاهين العلماني والإسلامي، بالإضافة إلى الانقسام القيمي والتلاعب به ما بين السلطة» واضاف ان «بعض الأنظمة السلطوية لم تسع على التحديث، وظلت تتحكم في الايديولوجيات وإذكاء التقاتل بين مختلف الجهات والاتجاهين الأساسيين للحفاظ على السلطة».
وطالب المعطي منجب قادة جماعة العدل والإحسان بتوضيح الاستراتيجية السياسية ومنهجية التغيير التي يسلكونها، «أتعتمد الشارع فقط أم معها الفعل المدني والنقابي، هل أنتم ثوريون أم إصلاحيون؟ وما هي منهجيتكم في التغيير؟ هل هي الشارع أم الفعل النقابي؟ هل تهمكم الأداة الانتخابية أم يجب الانتظار حتى يتغير النظام وانتظار المساء الكبير؟».
وتوجّه إلى قادة الجماعة، هل ستعتمدون الآلية الديمقراطية الانتخابية والاحتلال التدريجي لمؤسسات الدولة، ما موقفكم من العملية الانتخابية؟ ألا تؤمنون بالتغيير التوافقي؟ وازالة الضبابية في موقف الجماعة من النظام السياسي القائم، ودرجة قناعتها بالنظام الملكي؟ أم يطمحون للإطاحة به؟، وماذا تريدون بالضبط؟ ومشروع الخلافة التي تريدها الجماعة، وهل يريدون تغيير إمام بإمام آخر وما مضمون النظام الذي تريدونه، وما هي مؤسساته؟ و»ما موقفكم من الحريات الشخصية وحرية المعتقد؟ هل تعترفون بالمساواة الكاملة بما في ذلك الارث وهل يمكن للمرأة ان تكون رئيسة الدولة؟».
طالب المؤرخ المعطي منجب أعضاء جماعة العدل والإحسان إلى عدم الارتهان للجانب الدغمائي في أفكار وأطاريح مؤسس الجماعة عبد السلام ياسين وأضاف أن «عبد السلام ياسين لا يجب أن يتحول من ملهم إلى سلطة دوغمائية». مؤكداً أن «ياسين كان مجدداً، كما دعا إلى الحوار وتطارد الأفكار عندما كان العنف والدم هو السائد بين الفرقاء في الجامعة» وقال إن «الأفكار تعيش زمنها وتفقد راهنيتها، والأفكار التي طرحها عبد السلام ياسين قبل 35 سنة، قد لا تصلح الآن».
وقال الناشط الحقوقي المغربي فؤاد عبد المومني إنه لا بد من قبول كلفة الحوار واعتماد الزمن كعنصر حاسم، مفيداً بأنه حان الوقت من أجل المبادرة عوضاً عن الحديث النظري عن الحوار وأن سنة 2011 «كسرت الجليد بين الفرقاء، إلا أنه حان الوقت من أجل البدء بمرحلة جديدة وأخذ المبادرة، وفتح دينامية واستراتيجية جديدتين، والخروج بمقترح مجتمعي جديد يفضي إلى مشروع مجتمعي».
وشدد على ضرورة القبول بـ»نسبية الحقيقة وتقديم التنازلات، فعند إطلاق الحوار، سنضيّع أناساً يريدون الحقيقة المطلقة ونربح الكثير ممن يريدون التقدم في إطار متوافق عليه».
وقالت أمينة بوسعداني، باحثة في قضايا التربية والتواصل ان «الحوار ليس أن أقنعك بما أريد، بل صيغة لنصل معاً إلى ما نريد. فهو ليس غاية، بل وسيلة للوصول إلى غايات؛ وبالتالي لا يمكن القيام بالحوار متى شئنا وكيفما شئنا، بل يجب تأهيل بيئته».
وأبرزت عوائق الحوار بـ«غياب الاستعداد النفسي نتيجة أنانيات وعصابيات اتجاه الطرف الآخر؛ وذلك نتيجة النزعة الاستبدادية ونحن شعوب عاشت في ظل الاستبداد ولم نربّ على الحوار. شئنا أم أبينا، لدينا النزعة إلى الاستبداد».
ومن بين العوائق التي وقفت عليها الباحثة «الجهل بالمحاور نتيجة عدم الاجتهاد في التعرف على الطرف الآخر من خلال أدبياته، وليس ما يشاع عليه في وسائل الإعلام»، إضافة إلى «سياسة الاستبداد وما تزرعه من ألغام تطبيقاً لسياسة فرّق تسُد» وان «على كل الفرقاء الوعي بهذه المسألة؛ لأن إضعاف أي طرف معناه إضعاف باقي الأطراف».
وأكدت بوسعداني أن «الأمر يحتاج إلى تدبر وصبر؛ لأن ما انكسر في عقود لا يمكن أن ينجبر بسرعة»، وأن «التقوقع على الذات وتضخم الأنا يؤديان إلى رفض الحوار والإصغاء، وبالتالي يجب الاقتناع بأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة». وحذّرت من وضع شروط مسبقة أو خطوط حمراء أثناء الحوار، وضرورة البحث «عن المشترك، وإن قلّ، لتوسيع مساحته».
ودعا ادريس مقبول الى عدم تأجيل الحوار وعدم استعجال الوفاق، من أجل «إنشاء وجود آخر مختلف نخرج فيه من وجودنا الفردي إلى وجود مشترك»، وأوضح أن الديمقراطية هي مناخ ملائم جدا لتعميق ثقافة الحوار وحل الخلاف بطريقة سلمية، وقال: «نلجأ إلى الحوار لنجد مخارج لمآزق وجودنا الجماعي وليس الفردي».
وقال ان الحوار عند الراحل عبد السلام ياسين «لا يجري إلا في وجود طرفين، والأصل فيه هو التقارب وليس التغالب، وبالتالي أن نضع حدا للإقصاء والعنف والتقاتل»، وبأن الحوار «ليس إرادة للهيمنة على الآخر، بل اكتشاف جماعي لحقيقة تشغلهم ومصيرهم المشترك»، ووجوب الحوار مع كل الناس وفي كل الأشياء والقضايا وان كان يقول بأن ما يدعو إلى الحوار هو «وجود المروءة في هذا العالم مقابل الانتهازية»، إضافة إلى ‘الوعي بطبيعة الاختلافات النفسية والفكرية والاجتماعية بين أطراف الحوار وبناء الجسور».