انطلاق عهد عون بحكومة مفخخة يترك باب الفراغ مفتوحاً على لبنان

اميل خوري

كان على الرئيس ميشال عون، وهو الرئيس القوي، أن يقتل "البسينة" في اليوم الأول من ولايته، لكن يبدو أنه لم يجد سوى ذئاب، فبات عليه أن يكون ذئباً لئلا يأكلوه... ووجد الطريق الى تأليف الحكومة تتراكم فيها المشاكل كما تتراكم الثلوج هذه الأيام وتحتاج إزالتها الى سيارة مجهزة أطاراتها بسلاسل معدنية، أو الى "جرافة"، إلا أنه وجد نفسه لا يمتلك شيئاً منها، فتوقف وهو في أول الطريق ينتظر من يخلصه من حصار مضروب حوله لأن بداية العهد كانت خطأ، اذ اعتبر "حزب الله" ومن معه أن العماد عون هو الممر الإلزامي لرئاسة الجمهورية، فبات تأليف حكومة "وحدة وطنية" ممراً إلزامياً لتأليفها، كما بات قانون النسبية ممراً إلزامياً لكل قانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه. ولا يكفي القول إن عهد الرئيس عون يبدأ بعد الانتخابات النيابية المقبلة وانبثاق مجلس نيابي جديد منها يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وليس مع مجلس ممدد له مرتين ولم يعد تالياً يمثل هذه الارادة، في حين أن الواقع هو غير ذلك. فعهد الرئيس عون يبدأ من يوم انتخابه رئيساً، وكل يوم يمر ينقص من مدة ولايته. فتأليف حكومة "وحدة وطنية" مثلاً أضاع منها حتى الآن 50 يوماً، وقد يضيع منها وقت آخر للاتفاق على البيان الوزاري، خصوصاً إذا عاد الجدل بين الوزراء المتخاصمين، وقد جيء بهم من أمكنة مختلفة على المعادلة الثلاثية الشهيرة وهي: "الجيش والشعب والمقاومة"، فبعضهم لا يزال يعتبرها "ذهبية"، وبعضهم الآخر يعتبرها "خشبية"، وكل قانون جديد للانتخابات قد يفرض تمديداً جديداً لمجلس النواب يوصف للتخفيف من وطأته بـ"التمديد التقني"... كي يُعطى وقت لشرح كيفية تطبيق هذا القانون للمرشحين وللناخبين والموظفين الذين يتولون إدارة العملية الانتخابية، وبعد ذلك انتظار تأليف أول حكومة منبثقة من المجلس الجديد، وهي التي يعتبرها البعض حكومة العهد الأولى، فيكون قد مضى من عمر العهد أكثر من سنة ونصف سنة تقريباً ولا يكون حقق شيئاً من شعار "التغيير والاصلاح". وقد يضيع وقت آخر اذا استمر تأليف الحكومات على النحو المعهود وخلافاً للدستور فيذهب ثلث مدة العهد إن لم يكن أكثر في البحث عن حلول لأزمة التأليف والاتفاق على البيان الوزاري لأن حكومة تضم متخاصمين قد لا تتفق على المشاريع الاصلاحية التي يريدها العهد وعلى مكافحة الفساد فعلاً لا قولاً، وعلى إحداث تغيير توصلاً الى إقامة الجمهورية الثالثة أو الرابعة.

لقد كان على الرئيس عون والرئيس المكلف سعد الحريري أن يتفقا على تأليف حكومة من غير المرشحين للنيابة لتكون فعلاً حكومة تضمن الحياد والنزاهة للانتخابات ويتساوى فيها المرشحون أمام الناخبين، لا أن يكون وزير مرشح ينافس من لا يمتلك شيئاً من القوة التي يمتلكها الوزير المرشح الذي حتى وإن كان ملاكاً سوف يضع أمكانات وزارته في خدمة ناخبيه وانصاره. فيضع الرئيس عون والرئيس المكلف عندئذ القوى السياسية أمام الأمر الواقع، فإما تمنح حكومة غير المرشحين الثقة، وإما تحجب الثقة عنها فتتحمل عندئذ المسؤولية الكبرى أمام الله والتاريخ والوطن، ويكون عهد الرئيس عون بدأ من حيث يجب أن يبدأ وليس من حيث يريد من يضمرون له وللبنان الضرر، ولكي يفهما من طالبوا بالحاح بأن يكون رئيس الجمهورية قوياً بما يمثل، أنه لا يستطيع أن يحكم مع أقوياء ولا أن يكون حكماً عند خلافهم لئلا يتهم بالانحياز، ويضعونه أمام معضلة تأليف حكومة "وحدة وطنية" تراعي في تأليفها التوازنات، وهي حكومة يصحّ تأليفها بعد الانتخابات النيابية وليس قبلها. واذا بالرئيس عون كغيره من الرؤساء يمشي بين النقاط مراعاة لهذا الطرف أو ذاك، وينتظر في المنطقة الرماية قبل أن يقرر أي لون يختار بين الألوان السياسيةوصراعات المحاور، ويكون لون لبنان وليس أي لون آخر سواه. وكان هذا من أسباب عزوف الرئيس فؤاد شهاب عن الترشح للرئاسة بعدما عانى ما عاناه من مناكفات سياسيين ومشاحناتهم، ولا يكتفي المعرقلون بذلك بل ينتظرون عون عند كل مفترق وكوع لاستهدافه.


لقد حال هؤلاء دون انتخابه رئيساً في دورة الاقتراع الأولى، ويعملون الآن على عرقلة تأليف حكومة أرادوها أن تكون حكومة "وحدة وطنية" كي يستطيعوا ضربها ساعة يشاؤون ليبقى شبح الفراغ يحوم فوق رأس لبنان والناس في خوف دائم من حكومة مفخخة. فحكومة الـ24 أو الـ30 وزيراً التي تجمع الأضداد من كل حدب وصوب سوف تعيش على أكفّ عفاريت لا يعرف أحد متى تقع قبل معركة الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً إذا تأجل موعد إجرائها للتفاهم على قانون جديد للانتخاب والتدرّب على تطبيقه، أم إبان المعركة الانتخابية، أم بعدها إذا جاءت نتائجها في غير مصلحة أي حزب فاعل يشارك فيها، فيكون عهد الرئيس عون بدأ مع هكذا حكومة بتخوف دائم من الفراغ وبنتائج انتخابات قد لا تغير شيئاً من صورة لبنان ووضعه الشاذ إذا كان في الأمر تواطؤ داخل مع خارج لا يريد الخير للبنان.