"تأهيل المعلمين لغويا ليؤثروا في طلابهم" أهم مطلب للمغردين.

جهاد أبو هاشم

يكفي اللغة العربية شرفاً أن الله سبحانه اختارها لتكون لغة القرآن الكريم من بين لغات العالم، ويصفها حق وصفها ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة". يتحدث اللغة العربية اليوم أكثر من 400 مليون شخص، إضافة إلى أكثر من 130 مليونا يتحدثون بها بوصفها لغة ثانية، كما تعد من أكثر لغات العالم غنى بالمفردات والمصطلحات. الاحتفاء بيومها العالمي الأحد الماضي، 18 ديسمبر، أظهر حاجتنا إلى التمسك بها أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً مع ثورة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي نعيشها الآن، ودفعت نحو تغيير أنماط الحياة.

تنعى حظها

منذ عام 2012، والعالم يحتفل سنوياً باليوم العالمي للغة العربية، إثر قرار منظمة "اليونيسكو" بتخصيص هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 عام 1973، الذي أقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

ورغم الاعتراف العالمي المتأخر بأهمية اللغة العربية، لا تزال الشكوك تساور المثقفين في مستقبل هذه اللغة وإمكانية اندثارها، خصوصاً أن الأخطار المحدقة باللغة العربية لم تتغير منذ أكثر من 100 عام، ودفعت بشاعر النيل حافظ إبراهيم إلى التنبؤ بمستقبل أكثر سواداً، فهو القائل في ثلاثينيات القرن الماضي: "اللغة العربية تنعى حظها"..

وكأنه بهذه الكلمات يصف حال بعض المتحدثين بها حين أدخلوا كلمات هجينة إليها، لينالها أيضاً عدد ليس بالهيّن من الأخطاء الإملائية والنحوية، فضلاً عن أولئك الذين مزجوا بين العربية والإنجليزية، وأنشأوا لغة مشوهة تدعى "العربيزي"، وعملوا على تهميش اللغة الفصحى.

لا جديد

سجلت المدن العربية عدة فعاليات في بعض المراكز والمؤسسات التعليمية احتفاءً بيوم اللغة، أبرزها الفعاليات والبرامج التي نفذها مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية داخل المملكة وخارجها، إلا أن تلك الفعاليات - على قِلتها - اكتفت بيوم يتيم، فيما تُنسى اللغة العربية بقية العام. فعلاوة على اقتصار تنفيذ هذه الفعاليات على يومٍ واحد فقط، يوم 18 ديسمبر، فإنها تعتمد أيضاً أسلوباً تقليدياً واحداً، المحاضرات والندوات ذات الحضور النخبوي البحت، فيما كانت الفعاليات الحقيقية والمسابقات والأنشطة الخلاقة من نصيب المبادرات الفردية، التي قدمت مسابقات في القراءة والكتابة الصحيحة، وألغازاً في اللغة، وقصصاً مشوقة عن أهمية اللغة العربية ومفرداتها ومعانيها المتشعبة، والكثير من الأنشطة التي تغرس حب اللغة.

احتفاء «تويتري»

أما بالنسبة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فالوضع كان أفضل حالاً، الآلاف عبّروا عن حجم حبهم وإعجابهم بهذه اللغة الحية، وكتبوا عن قدرتها في التعبير والصياغة، وشاركوا تغريدات وصور وتصاميم تصحح بعض المفاهيم الشائعة التي يخطئ فيها الناس، ولاسيما استعمال كلمة أجنبية بدلاً من العربية. وإن لخصنا ما كتبه المغردون على "تويتر" من مطالب يتمنون تحقيقها فيما يتعلق بلغتهم العربية لطالت القائمة، أهم ما ورد في مطالبهم كان الحديث عن تأهيل المعلمين وصقل لغتهم باستخدام الفصحى الميسرة، وتدريبهم على الكتابة بلغة سليمة، ليؤثروا في طلابهم ويزيدوا من وعيهم بها، ودعوتهم للابتعاد عن الأساليب الجافة والمرهقة في التعليم.

كما ورد في مطالب المغردين دعوتهم مجامع اللغة لتعريب العلوم وتوحيد مصطلحاتها في المعاجم والقواميس اللغوية، وتشجيع حركة الترجمة، وحث الطلاب على القراءة، واعتماد برامج تلفزيونية تعليمية وتربوية هادفة، مثل برنامج "افتح يا سمسم"، فيما نادى آخرون بالتعامل مع العامية ليس كتهديد للفصحى؛ وإنما كجزء منها، خصوصاً بعد انتشار الشعر العامي أو النبطي، الذي لقي - ولا يزال - استحساناً لدى الجمهور المتذوق للشعر، حتى أصبح الشعر الفصيح محصوراً على النخبة إلى حد كبير.

 مخاوف كثيرة انتابت المحتفين باليوم العالمي للغة العربية، فبعد أن كانت العربية لغة لا تغرب عنها الشمس، لغة العلم والحضارة، أصبحت لغة يشوبها الخطر، تحتاج إلى قانون موحد يحميها، حتى لا تغدو لغة مهددة بالانقراض كما تروج بعض الدراسات منذ سنوات.

المحتوى الرقمي يئن

تشير دراسات حديثة إلى أن المحتوى العربي الرقمي لا يزال يعاني خللاً كبيراً؛ فهو محدود، ولا يشمل كل العلوم والمعارف، ويقتصر في معظمه على موسوعة "ويكيبيديا" الشهيرة، ذات المحتوى غير الموثوق، القابل للتغيير والتشويه في أي وقت.

قلة المحتوى العربي على الإنترنت لا تؤكده الدراسات والإحصائيات فقط، وإنما يمكن لمس هذا الخلل يومياً عند البحث عن موضوع علمي على الشبكة العنكبوتية، إذ لا يكاد الباحث يجد ضالته من معلومات حقيقية، وإن وجدها فهي شحيحة لا تُذكر، أو ركيكة، ومستنسخة من بعضها، وتفتقر إلى كتابة اسم كتابها ومرجعها العلمي، ولا تشبع شغف الباحث عن المعلومة.

الحديث عن هذه الفجوة يطول، وردمها يحتاج إلى تضافر جهود الجامعات والمؤسسات التعليمية، بدعم من الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني، إذ يُجمع مثقفون وأكاديميون على أن ترجمة المقالات والتقارير في الحقول العلمية والفكرية، ورفد الموسوعات والمواقع بها، وتصنيفها بشكل سهل للرجوع إليها، لهو أفضل من عشرات المحاضرات التي تُنظم في يوم اللغة العربية، ويحضرها قلة ممن يعدون على أصابع اليد الواحدة.

خصومات من "جوجل"

بدوره، احتفى محرك البحث الشهير "جوجل" هذا العام باللغة العربية ويومها العالمي، معلناً عن خصم 10 في المائة على شراء الكتب من متجر "جوجل بلاي"، شاملاً آلاف الكتب، وذلك للفترة من 18 إلى 24 ديسمبر الجاري. ويقدم المتجر الكثير من الكتب المتنوعة في عديد من المجالات مثل القصص الخيالية، والروايات، والشعر، والسيرة الذاتية، فضلاً عن خيارات تتيح معرفة الكتب الرائجة والأكثر مبيعاً.

نصيحة ثمينة

كل ما سبق لا ينفي حقيقة أن اللغة العربية أصبحت اليوم تتنافس في حضورها على المراكز الثلاثة الأولى من بين لغات العالم، لكنها تحتاج إلى كثير من العمل الجاد للحفاظ على مكانتها المرموقة.

كثيرون قالوا وكتبوا عن اليوم العالمي للغة العربية، لكن لعل من أثمن ما نورده في هذا الصدد النصيحة التي أسداها خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز لأبناء الأمة حين قال: "نصيحتي الخالصة لأبنائي الشباب وبناتي الشابات أن يقبلوا على تعلم اللغة العربية، ويتفننوا في استخدامها، فهي لغة دينهم ووطنهم وآبائهم وأجدادهم، وهذا لا يتناقض ولا يتعارض مع تعلم اللغات والعلوم الأخرى في مجالها الخاص".