سالم حميد

يشرف عام 2016 على الانتهاء حاملاً في جعبته حزمة أخبار وصور عن سلسلة من الحوادث الإرهابية التي ضربت العديد من دول العالم، آخرها ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين في مصر وألمانيا وتركيا. فبعد الحوادث الإرهابية في أوروبا، جاء حادث دهس المتسوقين في العاصمة الألمانية بواسطة شاحنة، على غرار حادث مدينة نيس الفرنسية الإرهابي قبل أشهر. وفي واقعة برلين كان المشتبه به في ارتكاب جريمة الدهس باكستاني الجنسية، إلى أن عثرت الشرطة على بطاقة في الشاحنة المستخدمة لتنفيذ الهجوم تعود لشخص تونسي أصبح المشتبه به الأول. وفي المحصلة النهائية فإن المتورط في الجريمة ممن قدموا إلى ألمانيا للجوء، وبدلاً من رد الجميل إلى البلد الذي آواه قام بفعلته الشنيعة، وتسبب في تشويه صورة العرب والمسلمين، بالإضافة إلى مساهمة مثل هذه الحوادث في إثارة العنصرية تجاه اللاجئين الذين فروا إلى أوروبا بحثاً عن الأمان، ثم يأتي من ينتمي إلى بيئتهم وثقافتهم ليقدم صورة سلبية ومنفرة تؤثر في حظوظ طالبي اللجوء في المستقبل وتحد من ترحيب المجتمعات والسلطات الأوروبية بالهاربين من مناطق النزاعات الساخنة.

أما حادثة مقتل السفير الروسي في تركيا فقد تحولت إلى مصلحة روسيا التي كانت تتعرض لانتقادات بسبب دورها في المشهد السوري وتداعياته الدرامية. ورغم فداحة الحادث على المستوى الدبلوماسي، بين تركيا وروسيا، فإن الأخيرة تعاطت مع خسارة سفيرها بأسلوب جعلها تكسب المزيد من النقاط التي ترجح كفة منطقها في التعامل مع الأزمة السورية، وبخاصة في ما يتعلق بتصفية جيوب الإرهاب في المناطق السورية المحسوبة على المعارضة، وبالتالي شرعنة التناغم الروسي مع الشعارات التي يرفعها نظام بشار الأسد بشأن حربه مع المجموعات الإرهابية، وهي التسمية التي يدرج ضمنها كل المعارضين.

ورغم توظيف روسيا بدهاء لحادثة مقتل سفيرها، فإن الصورة الأكثر قتامة هي صورة الإرهابي القاتل، الشاب المتوتر الذي نفذ جريمته بشكل استعراضي سينمائي، وتناقلت المشهد المروع شاشات التلفزة وأعادت تكراره. مما يعني أن وسائط الإعلام الحديثة أصبحت في وقتنا الراهن تمنح الفعل الإرهابي مساحة بصرية ونفسية تجعل من الفعل المحدود بزمان ومكان معين مؤثراً في أكبر قدر ممكن من البشر والأمكنة!

والحال كذلك مع حوادث إرهابية عديدة تمكن هواة من تصويرها فور وقوعها، وبالتالي يؤدي نشرها إلى تضخيم الفعل الإرهابي وتوسيع نطاق تأثيره النفسي، مما يخدم الإرهابيين ويحقق أهدافهم في نشر الرعب.

ويعجز المتابع عن رصد التداعيات والأصداء التي أعقبت مجمل العمليات الإرهابية خلال هذا العام. ولا ننسى أن 2016 كان أيضاً عام الصور المحزنة التي نقلت إلى جانب مشاهد أشلاء ضحايا الإرهاب صور جثث غرقى اللجوء. والاستنتاج الأكثر بروزاً يشير إلى أن خطر الإرهاب أصبح، أكثر من أي وقت مضى، تحدياً يواجه العالم بأكمله من دون استثناء، وأن إدراج ورقة الإرهاب في إطار لعبة المكايدات والتوظيف السياسي والاستخباراتي لم يعد أمراً ذكياً، وبخاصة بعد أن أصبحت أوروبا وجهة مفضلة لضحايا الحروب والفوضى الدائرة في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب تقارير عديدة يستغل المتطرفون موجات نزوح اللاجئين للدخول إلى أوروبا. الأمر الذي يحتم على الضمير العالمي العمل الجاد على مسارين متوازيين لا انفصال بينهما، محاربة الإرهاب، ودعم أمن شعوب البلدان التي تعاني الحروب الأهلية والاختلالات الأمنية. لأن الاستمرار في لعبة إدارة المصالح بتهييج الأزمات وتأجيل حلها لن يفضي إلا إلى المزيد من الفوضى والتحاق المحبطين الجدد بالجماعات الإرهابية.

ومن المؤسف أن المتلقي العربي بلغ مرحلة اعتياد أخبار الموت المجاني لعشرات الأبرياء، نتيجة تصاعد وتكرر وقوع الحوادث الإرهابية، وهذا يعد كارثة ودليلاً على حجم انتشار الإرهاب وخلاياه الإجرامية. ولا تزال مهمة إصلاح الخطاب الديني في العالم الإسلامي تحتل أولوية كبرى، وعلى العلماء المستنيرين التحرك فكرياً وعملياً لنشر التسامح وتجنب تكرار الألفاظ التي تحمل مسحة عدائية ضد الآخرين، وجعل المنابر خالية من كل ما يورث الكراهية ويحرض على العنف.