باسم الجسر

حملت السنة التي نودعها الآن عناوين لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها بالباهرة أو الواعدة: حلب، شبه الوصاية الروسية - التركية - الإيرانية على سوريا، نمو الغضب والتخوف في أوروبا والولايات المتحدة والعالم عمومًا من العرب والمسلمين بسبب العمليات الإرهابية الفظيعة التي قام بها داعشيون في عدة عواصم أوروبية، تصريح الرئيس الأميركي المنتخب بأنه «سيمنع المسلمين من دخول أراضي الولايات المتحدة»... إلخ.
ولعل أغرب ما توج هذه السلسلة من الفواجع الكبيرة والصغيرة هو موقف الولايات المتحدة السلبي مما يجري في سوريا، وتدخلها «على رأس أصابع القدم» في العراق، وترك روسيا تسرح وتمرح في الشرق الأوسط وفي حلب وسوريا (حيث توجت تدخلها العسكري بإرسال كتيبة من رجال الشرطة الخاصة). أما في مجلس الأمن فلقد ضغطت واشنطن على مصر لسحب مشروع وقف الاستيطان، ثم امتنعت عن التصويت، عندما طرح للتصويت مجددًا، مكتفية بإذاعة خبر عن عدد الغارات التي قام بها طيرانها الحربي - بالاشتراك مع دول أخرى - على قوات «داعش» في سوريا والعراق وعددها كما جاء في تصريح رسمي يقارب 27 ألف غارة - ما عدا غارات الروس - أي ما يقارب عدد غارات الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية... ولم تذكر أن هذه الغارات لم تؤد إلى القضاء على «داعش» ومقاتليه؟
إن انسحاب المقاتلين من حلب القديمة ودخول قوات النظام والروس وحلفائهما الإيرانيين وأتباعهم إليها - أو بالأحرى إلى أطلالها - يجوز اعتباره كسبًا سياسيًا للنظام وانتكاسة عسكرية للمعارضة. ولكن ما أذيع عن مؤتمر روسي - تركي - إيراني، للتداول في مصير سوريا، يلقي على هذا «الانتصار العسكري»، ظل خروج مصير سوريا من يد شعبها المقيم والمهجر، وتحولها إلى دولة خاضعة المصير لدول خارجية. وأفدح من ذلك هو حالة سوريا البشرية والعمرانية والاقتصادية المدمرة والمشردة التي سوف يرثها النظام الحاكم.
وقد قدر الخبراء تكاليف محو آثار الحرب الأهلية بأموال طائلة وبمرور سوريا بحالة تخلف اقتصادي واجتماعي قد تدوم عشرات السنين؟
في الواقع لم تعد المعركة في سوريا حربًا أهلية بين النظام الحاكم ومعارضيه، بل تحولت إلى حرب إقليمية إيرانية - عربية، من جهة، وتركية - كردية، من جهة أخرى. وروسية - أميركية، من جهة ثالثة، ودينية - وطنية، من جهة رابعة، وذلك من شأنه أن يضيع الباحثين عن مخرج سياسي أو عسكري لها. اللهم سوى اتفاق روسي - أميركي على حسمها بشكل أو بآخر.
ويتطلع كثيرون إلى الرئيس الأميركي الجديد الذي يقال إنه منفتح على التفاهم مع الرئيس الروسي بوتين، من جهة، ولكنه من جهة أخرى يبدو أقرب إلى تل أبيب من سلفه، وربما من كل الرؤساء الذين سبقوه (من أمارات انحيازه المفرط لإسرائيل عزمه على نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتعيين سفير أميركي لدى إسرائيل أشد تطرفًا وتعصبًا من نتنياهو نفسه). فهل يؤدي تفاهمه مع بوتين حول قضايا الدفاع الأوروبية التي باعدت بين موسكو وواشنطن إلى اتفاق حول حسم أو تبريد النزاعات في الشرق الأوسط؟ أم تتغلب الحسابات الضيقة وتسخن الحرب الباردة الجديدة بين البلدين؟ وهل تمنع إسرائيل الرئيس الأميركي الجديد من الإقدام على أي خطوة تعتبرها مضادة لمصلحتها؟
لقد وضعت روسيا قدمها وبقوة في سوريا وباتت تقود اللعبة الدولية في الشرق الأوسط أمام شبه الغياب الأميركي. وحتى لو كانت إسرائيل تحظى - وستبقى - بالعطف والدعم الأميركيين، فإن العلاقات الروسية – الإسرائيلية لم تكن يومًا أفضل مما هي عليه اليوم. ولا العلاقات الروسية - الإيرانية. وباستثناء المملكة العربية السعودية ودول مجلس الخليج فإن الغياب العربي عن هذا النزاع الدولي - الإقليمي المصيري لافت بل وخطير.
الشيء الوحيد المتفق عليه من قبل جميع المتقاتلين والمتدخلين في هذا القتال والتقاتل الذي مزق أكثر من دولة عربية، هو محاربة الإرهاب، وتحديدًا «داعش». ويؤكد الخبراء أن موقف واشنطن مما يحدث لن يبقى كما كان عليه إبان إدارة الرئيس أوباما. ربما، ولكن ما لم تحل قضية فلسطين وتكف إيران عن مشروع هيمنتها على المشرق العربي، وما لم يتغلب المفهوم السمح والمعتدل والمسالم للإسلام على الانحراف الإرهابي الذي استجلب استعداء الدول والشعوب لنا... فإن سقوط حلب لا يعني شيئًا، وسترى إيران أنها بعنجهيتها وصلفها ستغرق في بحر لجي، وستخسر في النهاية أمام إرادة الشعوب العربية.