محمود معروف

 كان عام 2016 المغربي مختلفا عما سبقه، خارجيا وداخليا، لكنه لم يخرج عن سياق المشهد المغربي بتحولاته التي يعرفها منذ عقدين، انفتاح على الخارج في اتجاهات مختلفة، لكن قضية الصحراء أو ما يعرف مغربيا بالوحدة الترابية، تبقى كما هي منذ اربعة عقود عنوان التحرك المغربي على الصعيد الخارجي، مع تراجعها لتكون محور تطوره الداخلي بعد ان أصبحت ثابتا من ثوابت المغاربة المقدسة.
وشكلت بداية العام صدمة للمغرب صحراويا بتصريحات بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة، أثناء زيارته لمخيمات تندوف في اذار/مارس، وصف فيها بـ«الاحتلال» وجود المغرب في الصحراء الغربية التي استردها من اسبانيا 1976 وكان رد الفعل المغربي عنيفا وقرر طرد المكون المجني ببعثة الأمم المتحدة بالصحراء (مينورسيو) وعدم المساهمة في ميزانية هذه البعثة، وتم تسوية مؤقتة في تموز/يوليو بالعودة التدريجية لهذا المكون بعد قرار مجلس الأمن الدولي في نيسان/ابريل مدد فيها مهمة البعثة حتى نيسان/ابريل 2017.
لكن قضية الصحراء بقيت الحدث البارز بعد توتر عرفتها الحدود المغربية مع موريتانيا في اب/اغسطس إثر قيام المغرب بتطهير منطقة الكركرات من المهربين وتجار المخدرات وتعبيد الطريق الفاصل بين نقطتي الحدود المغربية والموريتانية (3 كلم ونصف) واعتبار جبهة البوليساريو ما قام به المغرب خرقا لوقف إطلاق النار 1991 لان المنطقة تقع خارج الجدار الأمني الذي اعتبر خطا لوقف إطلاق النار واعتبرت البوليساريو ما خلفها مناطق محررة.
التوتر ما زال قائما في المنطقة بإجراءات تصعيدية قامت بها الجبهة دون ان تعرف الأفق الذي تسير إليه الأزمة واحتمال احتكاك بين القوات المغربية والجبهة تحت أنظار الأمم المتحدة، وتنعكس على العلاقات الموريتانية المغربية بعد اتهام الأوساط المغربية لنواكشوط بتسهيل إجراءات الجبهة.
جاءت توتر الكركرات في ظل اندفاعة دبلوماسية مغربية نحو القارة الافريقية وتقدم المغرب بطلب العودة للعمل المؤسساتي الافريقي وجولات العاهل المغربي الملك محمد السادس في عدد من الدول الافريقية التي تعتبر مؤيدة تقليديا لجبهة البوليساريو.
وانسحب المغرب من العمل المؤسساتي الافريقي في 1984 احتجاجا على قبول منظمة الوحدة الافريقية لعضوية الجمهورية الصحراوية التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد 1976 ورغم ابقائه على علاقات ثنائية قوية مع عدد من دول القارة، وسحب عدد من الدول الافريقية اعترافها بالجمهورية الصحراوية، إلا ان غيابه عن المؤسسات الجماعية الافريقية انعكس سلبا عليه في قرارات المنظمة (فيما بعد الاتحاد الافريقي).
وكان قرار العودة محل ترحيب الدول الافريقية، إلا انه ما زال محفوفا بعراقيل تضعها مفوضية (الأمانة العامة) الاتحاد، سببت احتجاجا مغربيا في انتظار القمة الافريقية المقبلة التي ستعقد في كانون الثاني/يناير المقبل وكذلك احراجات عدد من الأطراف الافريقية على غرار ما عرفته القمة الافريقية العربية وحضور يافطة وعلم البوليساريو داخل قاعة القمة واحتجاج المغرب وانسحابه مع 7 دول عربية أخرى، إلا ان ذلك الحدث سبب أزمة في العلاقات المغربية المصرية لأن مصر لم تنسحب وأعادت للأذهان دعوة القاهرة لوفد من البوليساريو للمشاركة في المؤتمر البرلماني الافريقي في تشرين الاول/اكتوبر الماضي.
هذا المشهد، صحراويا، تظلل بـ«غزوة» دبلوماسية مغربية قادها العاهل المغربي في اثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا ودول غرب افريقيا لتعيد المغرب للقارة من الباب الاقتصادي والمشاريع التنموية الضخمة التي اتفق عليها وأهمها ابنوب الغاز النيجري نحو أوروبا عبر المغرب وتمويل مغربي وتوجت «الغزوة» بقمة العمل الافريقية في مراكش على هامش قمة المناخ كوب 22.
وشكل التعاون لمكافحة الإرهاب محورا من مباحثات العاهل المغربي مع قادة الدول الافريقية، نظرا للسمعة الايجابية للمغرب في هذا الميدان بقطعه الطريق على أي عمل إرهابي داخل المغرب وعائد التنسيق مع عدد من الدول الأوروبية ونجحت الأجهزة الأمنية المغربية في تفكيك 19 خلية، لتنظيم «الدولة» من خلال استراتيجيته الاستباقية حيث تم القبض على 244 متهماً واعتقلت السلطات 47 مغربيا كانوا في صفوف التنظيمات المقاتلة في سوريا والعراق وليبيا.
وكانت 2016 سنة الانتخابات التشريعية امتدادا للانتخابات البلدية التي أثبت فيها حزب العدالة والتنمية صدارته للخريطة الحزبية والانتخابية رغم قيادته 5 سنوات للعمل العام، التي عادت تنعكس سلبا على الحزب ورغم تكاتف القوى المناهضة له في مواقعها المختلفة ومواقفها المتنافرة، إلا ان تدبير هؤلاء لمناهضتهم لحزب العدالة والتنمية وزعيمه عبد الله بن كيران، والذي توج قبيل الانتخابات بتظاهرة «مفبركة» جاء لصالح بن كيران وحزبه وتعاطف الناخبين معه ومنحه المرتبة الأولى بـ125 مقعدا في الانتخابات التي جرت يوم 7 تشرين الأول/اكتوبر وهو اعلى رقم يفوز به حزب في البرلمان في تاريخ المغرب. 
إلا ان فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لم يحسم المسألة ولم يوقف محاولات خصومه هزيمته في مرحلة ما بعد الانتخابات ان كان من خلال خلق تحالف أغلبي يرفض المشاركة في الحكومة، ويحرم بن كيران من تشكيل الحكومة وهو ما أفشله حزب الاستقلال الذي رفض هذه المحاولة وأكد مع حزب التقدم والاشتراكية تحالفه مع بن كيران.
مغرب 2016 بحركيته الدبلوماسية الملكية، واستمرار أمنه واستقراره، يعيش عمليا ومنذ منتصف العام بدون حكومة، وقد يكون ذلك دفعا في اتجاه، ما يحذر منه فاعلون سياسيون، من امكانية وجود مغرب بدون مؤسسات ما دامت المؤسسة الملكية موجودة ونشطة.