شمسان بن عبد الله المناعي

 لم تنهزم الثورة السورية عسكريًا كما يعتقد البعض، فما تم في حلب الشرقية كان كسب بضعة كيلومترات من الأرض، إنما الذي تعرضت الثورة له أن العدو كسب المعركة معنويًا، وذلك من خلال عدة وسائل؛ أهمها نشر الإشاعات عن حجم وقوة القوة الغازية، فكثيرًا ما كان يتردد في وسائل الإعلام أنه ليس هناك توازن بين القوتين، حيث إن النظام تسانده روسيا وإيران وميليشيات «حزب الله»، وخاصة الإعلام المعادي للثورة، وذلك ما أثر معنويًا على المدنيين، مع أنه تم تجاهل أن الثوار صمدوا أحد عشر شهرًا في حلب، وأسلحتهم تنفد كل يوم في مواجهة أكبر قوة في العالم.. هذا التفكير الإيجابي لم يكن يرد في نفوس المدنيين ولا حتى عند بعض المقاتلين ولو فكروا بهذا التفكير لارتفعت روحهم المعنوية، حتى وإن أجبرهم العدو على الانسحاب في النهاية.
ولو قمنا بإجراء مقارنة بين ما حدث في غزوة الخندق (الأحزاب) في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وما حدث لمقاتلي المعارضة في حلب نجد أنه بالإمكان أن نعرف سبب الهزيمة المعنوية التي تعرض لها أهل حلب الشرقية، حيث في غزوة الأحزاب تجمع المشركون من كل مكان على المسلمين، ففي الداخل كان هناك اليهود وفي الخارج تحالف المشركون. لقد أشاعت غزوة الخندق جوًا نفسيًا هز الكيان الإسلامي، إذ استطاع اليهود تدويل المعركة، وبناء الأحلاف، وحشد الحشود، وقد صورت الآيات القرآنية توتر الموقف أروع تصوير، وهذا ما ورد في قوله تعالى «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا»، واستغل المنافقون الموقف، وأخذ كبيرهم عبد الله بن أبي سلول المنافق الذي كان يحارب مع جيش المسلمين، وهو كان يمثل الطابور الخامس، ينشر إشاعات عن كثرة العدو الذي جاء يغزو المدينة وقوته، هنا وجه التشابه بين ما حدث في معركة حلب ومعركة الخندق، بيد أن الفرق أنه في غزوة الخندق أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس أصحابه القوة والروح المعنوية الرفيعة، وعندما كان يحفر الخندق مع أصحابه والتراب يأتي على لحيته الشريفة الطاهرة لم يكن يُشعر أصحابَه بخطورة الموقف، بل كان يضحك وهو يحفر معهم، وفي النهاية حقق النصر على المشركين.
بالمقابل في معركة حلب الشرقية كان للطابور الخامس دور في نشر الخوف والروع بين أهل حلب، خاصة أن وسائل الإعلام وخاصة الرسائل التلفزيونية كانت تلعب دورًا كبيرًا في ذلك، حيث تم تصوير الموقف في حلب من قبل وسائل إعلام النظام بإلصاق التهم بالثوار بأن معظمهم من جماعات الإرهاب والمخربين، وهذا ما زاد من تردد الموقف الدولي، الذي كان هو سلبيًا في الأساس.
جانب آخر من الحرب النفسية تمثل في الجانب السياسي، حيث في بداية الثورة كان هناك دعم دولي وإقليمي للثورة مثل «أصدقاء سوريا»، ولكن تدخل أطراف وميليشيات كثيرة في الحرب من العراق بالإضافة إلى تنظيم «داعش» وغيرها جعل الموقف يكتنفه الغموض، مما جعل دولة كأميركا حذرة في التعامل مع الثورة، وتخلى عنها حتى بعض الدول العربية، وكذلك دول أخرى كانت تساند الثورة، مما جعل النظام يستغل تدخل هذه الميليشيات الإرهابية في إلصاق تهمة تحالف الثورة معها، واستغلال هذا الموقف من قبل النظام في تبرير التدخل السوري والإيراني والميليشيات الشيعية من العراق.
كل ذلك لا يقلل من قوة الثورة السورية، فالحرب هكذا كر وفر، وعلى الجيش الحر أن يستفيد من الأخطاء التي وقع فيها.
ويكفي أن الثورة بعد حلب كسبت تعاطف الرأي العام العالمي، وما التحالف الثلاثي الذي تم بين روسيا وتركيا وإيران إلا محاولة للخروج من المستنقع السوري، وخاصة بعد أكد الرئيس بوتين أن وقف إطلاق النار سوف يشمل كل الأراضي السورية، وذلك يدل على أن الأيام المقبلة لروسيا في سوريا لن تكون أيامًا تأتي لها بالمصلحة، وكذلك إيران، والأيام القادمة سوف تكشف لنا ذلك.