سمير عطا الله

لا بَّد من نظرة على السنة الماضية، على الأقل، أسوة بالزملاء الذين يضنون بالأحداث الكبرى أن تذهب دون وداع. وقد لا يكون هناك خلاف على الحدث الأول: دونالد ترامب رئيًسا للولايات المتحدة. كثيرون يشعرون أنهم انتصروا به، وآخرون يرون أن انتصاره هزيمة لهم. وأنا من هؤلاء. وعلينا الآن أن ننتظر، فهل يندم الفائزون أم الخاسرون؟

قد يستمر ترامب في نشر المفاجآت، وفي أي حال، كان هو مفاجأة 2016 الكبرى؛ فعندما بدأ حملته لم يتوقع أحد أن يصل إلى مرحلة الترشيح عن الحزب الجمهوري، وعندما أصبح مرشح الحزب، لم يتوقع أحد أن يصبح الفائز على الحزب الآخر أيًضا، لكن اللغة الفّجة والعبارات الجلفة والمستويات المتدنية هي التي فازت في سباق يفترض أنه للأولين في الفيدرالية الأميركية.

لم يتعرض خصم، أو عدو، لصورة أميركا كما تعرض لها ترامب؛ طفق يرسم لها صورة كانت تشدد عليها الدعاية السوفياتية في ذروة الحرب الباردة: دولة فارغة وفاشلة مًعا، مؤسسات متهاوية وفاسدة، وزيرة خارجية يجب أن تزج في السجن، رئيس مولود في كينيا وليس على الأرض الأميركية، أي مزَّور، مجتمع متكسر لن يرمم عظامه أحد سوى دونالد.

ولم تقصر هيلاري كلينتون وهي ترى منافسها اللجوج يتقدم رغم كل شيء، فاتهمته بالخضوع لدولة أجنبية، أي روسيا فلاديمير بوتين، لكن العم دونالد مضى مثل إعصار، لا يتوقف عند شيء، ومثل إعصار أرعب أهل الديمقراطية في أميركا والغرب، ورأوا في وصوله خطًرا على القيم المألوفة، لكنها القيم التي لم يَر فيها هو سوى عوائق سطحية لا ضرورة لها... سوف يزيلها ويعيد بناء أميركا.

لو لم يفز، لنظرنا إلى حملته برمتها على أنها مجرد هوائيات فارغة وتعابير نابية لا تليق بأحد. كان يقال في البداية إنها معركة مثيرة لولا هذا المتطفل، لكن المتطفل هو الذي فاز، مثل أفلام السينما عن الحصان الهرم الذي يكتسح السباق منذ اللحظة الأولى، تارًكا خلفه الذهول والوجوم، مفاجًئا حتى صاحبه المترهل هو أيًضا.

لكنه فاز، مخّيًبا توقعات جميع المضمرين، حصد الولايات «البيضاء» الخائفة على امتيازاتها، وترك كلينتون ُتهزم هي وأصوات النخب الليبرالية في كاليفورنيا ونيويورك... هذا العالم لم يعد يريد نخًبا ومفكرين، يريد حكاًما مثل فلاديمير بوتين يقودون أساطيلهم، يزرعون الرعب والخوف والموت. وكاد الناخبون يطالبون الثري جون كيري بأن يرد إلى الخزانة تكاليف 47 اجتماًعا عقدها مع سيرغي لافروف من أجل لا شيء، حتى ابتسامة ودّية لم يمنح لافروف للوزير الأميركي المتجول، منحه كلاًما مهًما وصياغات غامضة تعلمها في مفوضيات الحزب الشيوعي، قبل أن ينتهي هو ورئيسه وصديقه بوتين، عضوين بارزين في عالم لا شيوعية
فيه، مجرد شيوعيين سابقين خرجوا من ماضيهم، ودخلوا الرأسمالية مثلما خرج ترامب من مكتب بيع العقارات إلى المكتب البيضاوي الشكل في البيت الأبيض اللون.

إلى اللقاء....