&&سلمان الدوسري& &&

أمس (الأحد) مرت الذكرى الخامسة على أحداث فبراير (شباط) البحرينية الشهيرة، عندما خرج الآلاف من مواطنيها في مظاهرات أرادت استلهام تجربة «الربيع العربي» ونقله بحذافيره للمملكة الهادئة والواقعة على ضفاف الخليج العربي. كان النظامان في مصر وتونس للتو سقطا، وكانت الحماسة للخروج على الأنظمة في أوجها. ظن أولئك أن موضة إسقاط الأنظمة قد أينعت وحان قطافها، وطالما حدث ذلك في مصر أو تونس فما الذي يمنع تكراره في العاصمة المنامة؟ بدأت المظاهرات، التي تميزت بأنها ذات صبغة طائفية، بالمطالبة بإصلاحات سياسية وسرعان ما تحولت إلى المطالبة بإسقاط النظام، وهو أمر لم يكن مفاجئًا؛ فقد كان معدًّا له سابقًا. الكارثة أن جمعيات لها ثقلها في العمل السياسي دخلت على خط إسقاط النظام الذي تعمل من خلاله وصوتت على ميثاقه الوطني. شعر غالبية البحرينيين بالخيانة مما اعتبروه غدرًا بمن وثقوا بهم وانتخبوهم وظنوا أنهم جزء من مشروع ملكهم الإصلاحي. اليوم يمكن القول إن كل ذلك أصبح ماضيًا تعيسًا ولم تستطع قوى التغيير السلبية اختطاف قرار المجتمع بأسره. شيئا فشيئًا عادت البحرين إلى طبيعتها، وبعد أن كان يخرج الآلاف بالمظاهرات، لا تستطيع أكبر جمعية سياسية بحرينية معارضة (الوفاق) إخراج سوى المئات. عادت البحرين كما كانت، لكن البحرينيين لم يعودوا لسابق عهدهم.

ليس من المبالغة القول إن البحرين ومنذ فبراير 2011 المشؤوم عانت كثيرًا، ليس لأنها تعرضت لهزة تاريخية غير مسبوقة، فقد تمكنت من الخروج منها دون أن تتأثر بنية النظام ولا مؤسسات الدولة، وحتى هذه لو تأثرت فإن علاجها لن يستغرق طويلاً، دع عنك أن أزمتها كشفت لها من هو الصديق ومن العدو، ودع عنك أنها رأت أقرب الدول تصطف مع خصومها. الهزة الحقيقية فعلاً كانت في فقدان الثقة بين مكونات الشعب البحريني، وتنامي مستويات الفتنة الطائفية بينهم، وبعد أن كانت البحرين مضرب مثل في تخفيض منسوب الطائفية إلى أدنى مستوياتها، تزايد الشرخ الطائفي بشكل ربما لم تعرفه البحرين في 100 عام. صحيح أن إيران كان لها، ولا يزال، الدور الرئيسي في مشروعها نحو «إسقاط النظام»، إلا أنها ما كانت لتستطيع ذلك لو لم يكن لديها أدواتها التي أعانتها من البحرينيين أنفسهم.. للأسف.

لا يمكن عزل ما حدث في البحرين عما جرى في دول عربية أخرى، بل لا يمكن القول إن أولئك المتظاهرين كانوا وحدهم وراء تلك الرغبة، لا أعني إيران وحدها ولا أذرعها في المنطقة فحسب، بل أعني أن هناك من بين الخليجيين والعرب من دعم تلك المظاهرات، بصورة أو أخرى؛ قنوات تلفزيونية ومثقفون وأكاديميون وإعلاميون وناشطون ومغردون، ومواقفهم مرصودة وموثقة، كعادة من يريد القفز من المركب سريعًا دون حساب أن البحر أمواجه متلاطمة وقد تبتلع القافزين أسرع مما لو بقوا في مراكبهم، ومع هذا مرت البحرين من التجربة المريرة بأقل الخسائر، أما أولئك الذين أرادوا التغيير فالواقع أثبت أنهم أفسدوا أضعاف ما أرادوا الإصلاح، كما أنهم أعادوا العملية السياسية إلى نقطة الصفر، وبعد أن كانت البحرين متقدمة على نظرائها، أصبح من الصعب عليها المضي في مشروعها دون بناء الثقة من جديد بين أطياف شعبها.

كل يوم يمضي تقوى فيه الدولة البحرينية أكثر وأكثر، ويخسر الذين اختاروا الهدم بدلاً من البناء. تناقصت شعبيتهم وضعفت حجتهم وضاق سبيلهم، راهنوا على الشارع وفشلوا، انتظروا هروب المستثمرين ولم يخرجوا، بحثوا عن انهيار الدولة فكانت أقوى مما تخيلوا، بقي لهم خيار أخير.. أن يجربوا العودة لحضن وطنهم وليتهم يفعلون.

&

&

&