نجيب عبد الرحمن الزامل

&.. أقدم لكم كاتبة متميزة من بريطانيا، وأظن أن كثيرا منكم يعرفونها.

هي كاتبة موسوعية في علمي الأنثربولوجيا والثيولوجيا "علم الأديان". مسيحية عاشت في الأديرة فترة وتبتّلت وتصوفت ثم رقي عقلها المعرفي إلى اكتناه حقيقة ومبعث وسبب ونتائج الإيمان في تتبّع مضن ومرهق لكل شاردة وواردة من التاريخ ومن نتائج التاريخ الديني على الحاضر الكوني. هي "كارين آرمسترونج".

&

أقرأ لمن يكتب عن الأديان في البحث التاريخي والإنساني علميا وتوثيقا وقدرة معرفية متنوعة مع أسلوب أخاذ، ولا شك أن من تسيد الدراسات الإسلامية بالذات لـ 70 عاما مضت، هو البريطاني المتفوق القدرة برنارد لويس، وهو يهودي، عاش ومات يهوديا ومات وفي نفسه شيء من البحث في الإسلام يود لو أكمله. برنارد لويس أخذت عليه التواءات كثيرة ولكنه من ألّف الكتاب الأيقوني "الإسلام: ما الخطأ الذي حدث؟"? What Went Wrong وتكلم في المقدمة أن الإسلام أقوى حضارة وأزهى معرفة عقلية وإنتاجا فكريا في التاريخ.. الذي يهمني هذا الاعتراف، ثم مضى يحلل.. ولكلّ رأيه.

&

"كارين آرمسترونج" في رأيي أوسع رؤية ومعارفا من البروفيسور "لويس" الذي نعترف له بقدراته الفكرية وإنتاجه الغزير. فالسيدة آرمسترونج أفصح بيانا، ليس لأنها أكثر معرفة باللغة الإنجليزية من السيد لويس، ولكن أسلوبها أسهل وأمتع ولا تميل للتحليل الأكاديمي المعمق، وإنما للسرد الجميل. تذكرني في أسلوبها بالصياغة المعرفية لطه حسين.

أول كتاب قرأته لـ "كارين آرمتسرونج" بحث في الأديان السماوية الثلاث، ثم استغرقتني بجاذبية مؤثرة بكتاب من أجمل الكتب وأعظمها تأثيرا في وضع قوالب جديدة بدماغي وفي وجداني وهو كتاب "محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ نبي لزماننا" وقد استعرضته في برنامج تلفزيوني اسمه "من الرف العالمي"، ويمكنكم الرجوع إليه فهو يختزل الكتب العالمية بأثرها، وليس نقدها واستعراضها في خمس دقائق. والمختصر قولها إن تعليمات النبي محمد - عليه أفضل الصلوات والسلام - وقوانينه (الشريعة) تصلح لتطبق في زماننا الحاضر وفي كل زمان. وهذا الكتاب، لو أنه كتب بقلم مسلم لشعرت أن الكاتب جذبه حب نبيه ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ حتى تسامى روحيا وليس فقط فكريا.

&

وكارين تقدم أيضا كتابا ساطعا عن الإسلام، ويبدو لي، والله أعلم، أنها تجد نفسها أكثر وهي تكتب عن الإسلام، وتتشجع لما جاء به، وتصر على الوصف الروحي السعيد وهي تستعرض نقاطا معرفية. وقرأت لها عن البوذية واليهودية والمسيحية، ووجدت الروعة البحثية والقدرة الاتساعية المعرفية المذهلة، على أني لم أجد ذلك النفح الوجداني والعبق الروحي السعيد كما وهي تكتب عن الإسلام.

&

كتابها "الإسلام تاريخ مختصر"، استعرضت في توطئته الشرائع السماوية والمعتقدات الوثنية والأسطورية وتقول إنها ديانات مسيجة عن الدعوة أو الاتصال بالعمل الدنيوي وإعمال العقل العلمي، وعندما وصلت للإسلام يبدو وكأنها تنفست الصعداء فبدأت تغرف من حبر النفح الروحي والحقيقة الوجدانية، وأستأذنكم بترجمة عبارة قصيرة مما كتبت:

&

"المسلمون يؤمنون أن عندهم مهمة، وهذه المهمة هي إصلاح العالم. مهمةٌ وكلها لهم القرآن (الكريم) ــــ وهي تكتب القرآن باللغة الإنجليزية تعمدا مخالفا للتهدئة الإنجليزية التي تبدأ بحرف K بل تتعمق باللفظ كأنها تتحسس جلالة هذا الكتاب العظيم فتبدأ بحرف Q الأقرب لحرف القاف العربي" وتتابع كارين: "فمهمتهم الرئيسة هي إشاعة العدل في الأمم حيث يتساوى الناس كلهم القوي والضعيف في الحقوق والواجبات. ولكل بشري، أي بشري، كامل الاحترام".

وحزروا من على غلاف الكتاب؟

الملك فيصل جالسا يبتهل وبجانبه أخوه الملك خالد.. رحمهما الله وغفر لهما.