&مصر: &البنك المركزي الأكثر إثارة للجدل… والحَجر على الفكر والرأي طريق تكلّس العقل الجمعي

حسنين كروم

&&حتى الآن لم ينجح أي حدث أو خبر سياسي في إدخال تغيير على اهتمامات الأغلبية، ويوما بعد آخر تزداد الفجوة بينها وبين السياسيين والأحزاب والمثقفين، من دون أي استثناء، بل يزداد الانقسام بين الفئات الاجتماعية.

والملاحظ أن قسما من رجال الأعمال ينحاز للنظام ويرى أنه يقوم بفتح الأبواب أمامهم وحمايتهم، وآخرون يتهمونه بأنه يضيق عليهم ويحاربهم ويسعى لإعادة سيطرة القطاع العام، كما كان أيام عبد الناصر. من دون ضجة ومثلما يتشرذم رجال الأعمال، تشرذم الطبقة العاملة وموظفي الحكومة، رغم شكاواهم، إلا أنهم ليسوا على استعداد بالمرة للالتفاف حول مطالب موحدة، واتخاذ موقف ضد الحكومة، وكل قطاع يبحث عن مصلحته، وفي الوقت نفسه، يرفض أي محاولة للتصعيد قد تؤدي إلى اضطراب الأمن، وحتى الأحزاب السياسية التي لها وجود بارز داخل مجلس النواب، لا تدري ماذا تفعل، وأبرز مثال على هذا التناقض، أن مؤسس حزب «المصريين الأحرار» رجل الأعمال نجيب ساويرس يخوض الآن ومن مدة معركة شخصية خاصة بأعماله مع محافظ البنك المركزي، ويرفض الحزب أن ينجر إليها. كما الكل في انتظار القرارات الصعبة التي أعلن رئيس الحكومة شريف إسماعيل، في بيانه الذي ألقاه أمام مجلس النواب، ضرورة اتخاذها، ثم فوجئ الجميع بأن الصحف الصادرة أمس الأحد 2 أبريل/نيسان تنشر تقديرات أخرى مختلفة له.

رغم أن الرسام سمير عبد الغني اخبرنا أنه شاهد الشيطان وسمعه يقول في حديث تلفزيوني:

ـ أنا معجب ببيان الحكومة.

ومن أبرز الاهتمامات أيضا من جانب الأغلبية، ما أعلنه وزير التربية والتعليم بأنه سيتم حذف ثلث ما في المناهج في امتحان آخر السنة، وتوزيع أرقام الجلوس لطلبة الثانوية العامة في النصف الثاني من شهر مايو/أيار المقبل. واستمرار تصريحات وزير التموين خالد حنفي بتوفير كل السلع في شهر رمضان. وتأكيدات وزير الكهرباء محمد شاكر بأنه لا انقطاع للكهرباء.

كذلك هناك درجة كبيرة من الارتياح لزيارة الملك سلمان لمصر بعد أيام، وما أعلن عن اتفاق بين شركة أرامكو والحكومة المصرية لتوفير المنتجات البترولية لمصر بانتظام، خلال السنوات الخمس المقبلة، والاتفاق على المشروعات التي سيتم تنفيذها، وخصصت لها السعودية استثمارات بلغت ثلاثين مليون ريال سعودي.

كما واصلت الصحف المصريةالاهتمام بذكرى وفاة عبد الحليم حافظ والتعليق على الفيلم السينمائي «نوّارة» والإشادة به، والاحتفال بيوم اليتيم. كما توفي أخي وزميلي ورفيق عمري الدكتور فاروق أبو زيد عميد كلية الإعلام الأسبق في جامعة القاهرة وزميلنا في «الأخبار» محمد عبد المقصود. وإلى شيء من أشياء كثيرة لدينا….

معارك الاقتصاديين

ونبدأ بالمعارك والردود خاصة وأهمها وأكثرها تأثيرا تلك التي تتعلق بالاقتصاد ورجال الأعمال والمال، وكان رجل الأعمال ومؤسس حزب «المصريين الأحرار» خفيف الظل نجيب ساويرس قد شن يوم الأحد قبل الماضي في مقاله الأسبوعي في جريدة «الأخبار» هجوما عنيفا على محافظ البنك المركزي طارق عامر، واتهمه بمحاربته ومحاربة رجال الأعمال، وتنفيذ سياسة يتدخل بها في شؤون البنوك، ودفع البنوك العامة المملوكة للدولة لمنافسة القطاع الخاص بواسطة شركاتها الاستثمارية، والاستحواذ بدلا منه على ما يتم طرحه، سواء من مشروعات أو المنافسة على شراء شركات، كما حدث في المنافسة على شراء سي ـ كابيتال، إذ تقدم هو للشراء ولكن البنك الأهلي دخل منافسا ومارست المخابرات كما قال ضغوطا أخرى.

رسالة ساويرس سلبية ومؤذية لمناخ الاستثمار

ويوم الخميس، أي بعد أربعة أيام، شن زميلنا في «الأخبار» محمد سلامة هجوما مضادا على ساويرس قال فيه: «من أين حكم الباشمهندس على أن هنالك سوء استخدام للسلطة؟ ما الدليل على ما ذهب إليه؟ أم أنها مجرد أقوال مرسلة لا تستند إلى دليل؟ سرد الباشمهندس ساويرس وقائع عملية شراء شركة «سي أي كابيتال» من البنك التجاري الدولي عبر شركة أوراسكوم للاتصالات، التي يرأس مجلس إداراتها وأكبر مساهم فيها، لكنه فوجئ و«يا للهول» مع الاعتذار للفنان يوسف بك وهبي، بقيام البنك الأهلي المصري وهو بنك قطاع عام مملوك للدولة بالكامل بتقديم عرض منافس للشراء. أكثر من هذا أكد الباشمهندس أن ذلك بإيعاز من رئيس البنك الأهلي السابق محافظ البنك المركزي الحالي، معتبرا ذلك رسالة سلبية ومؤذية لمناخ الاستثمار مداها، إحذروا أيها المستثمرون إذا أردتم الاستثمار في مصر، ستدخل الدولة وتنافسكم بالأموال العامة. حلال عليك شراء شركة «سي أي كابيتال» حرام على البنك الأهلي المصري المملوك بالكامل للدولة أن يتقدم لشراء الشركة، لمجرد أنه بنك عام ـ وضع تحتها مليارات الخطوط ـ من أين جئت بهذا؟ في أي شرائع أو قوانين ما أنزل الله بها من سلطان أنه حلال للقطاع الخاص شراء ما يشتهي من شركات، حرام على القطاع العام؟ أليس البنك الأهلي المصري، وضع تحت «المصري» أيضا مليارات من الخطوط، كيانا اقتصاديا يسعى إلى الربح باستثمار أموال مودعيه، أم هو حلال لك حرام عليه؟ الأمر الآخر الذي لا أفهمه حتى الآن، من أين خطر على ذهنك أن تقدم البنك الأهلي المصري لشراء «سي أي كابيتال» كان بإيعاز من رئيس البنك الأهلي السابق محافظ البنك المركزي الحالي السيد طارق عامر المحترم؟ هل لديك دليل على هذا الإيعاز، وأين هو؟ هنالك العديد من الاقتصادات في العالم لا يزال لديها قطاع عام قوي جدا يستحوذ على العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة، التي يرى من الضروري السيطرة عليها، بل أحيانا حجبها عن القطاع الخاص، مثال ذلك أكبر الاقتصادات التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تصدر الاقتصاد العالمي، إنها الصين وغيرها كثير لا يزال لديها قطاع عام قوي مسيطر ينافس بقوة ولم يخرج علينا أحد الجهابذة من المستثمرين هناك على اختلافهم يعترض على ذلك ويدعي أنها رسالة سلبية مؤذية لمناخ الاستثمار الصيني».

مدحت نافع: السوق السوداء

للعملة الصعبة ليست كائنا خرافيا

وبعد هذا الإحراج الشديد الذي أحرجه سلامة لخفيف الظل ساويرس تقدم في يوم الخميس نفسه المحلل الاقتصادي مدحت نافع ليوجه نقدا خفيفا لطارق عامر إذ قال في «الشروق»: «تعددت المعارك التي يخوضها محافظ البنك المركزي في آن، فهو في معركة مستعرة ضد السوق السوداء للدولار الأمريكي، انتقل منها إلى معركة ضد شركات الصرافة غير الملتزمة، ثم أعلن تقييد مدد شغل منصب رئاسة البنوك بتسع سنوات، ثم أصدر تصريحات متلفزة ضد فئات بعينها اتهمها بالعمل لمصالحها أو لحب الظهور، ولكي أكون منصفا تعالوا بنا نحلل كل معركة على حدة. السوق السوداء للعملة الصعبة ليست كائنا خرافيا نحاربه باستمرار، باعتباره تجسيدا لقوى الشر والطمع المدمرة للاقتصاد، بل هي نبت كريه غرس في أرض فائض الطلب وندرة المعروض بعبارة أبسط؛ الحاجة المستمرة للدولار تأتي بسبب تراجع الإنتاج من السلع والخدمات، هذا التراجع يعني تراجع قدرتنا على إشباع حاجة السوق المحلية، وبالتالي نحتاج إلى العملة الصعبة لشراء احتياجاتنا من الخارج، ناهيك عن عجزنا عن تصدير فائض السلع والخدمات المنتجة محليا، ومن باب الحوكمة وتدوير المناصب بدأت المعركة الثالثة حينما أصدر البنك المركزي قرارا بألا تزيد مدة عمل الرؤساء التنفيذيين للبنوك في مصر عن تسع سنوات، سواء متصلة أو منفصلة، وعلى الرغم من الضجة التي أثيرت حول القرار إلا إنه يظل صحيحا، على الأقل من جهة المقصد، فليس مقبولاً أن يحتكر الجهاز المصرفي عدد محدود من القيادات، خاصة في ظل ما اعترف به محافظ البنك المركزي من تراجع نسب الإقراض إلى الودائع بكثير من البنوك وصل أحيانا إلى 15٪، وتكاسل البنوك عن الاضطلاع في دورها الأصيل كوسيط بين الوحدات التي لديها فائض وتلك التي لديها عجز نظرا لتفرغها لإقراض الحكومة بأسعار فائدة مغرية وبدون مخاطر تذكر».

الأزمات المتلاحقة في السوق المصرفية

وفي يوم الخميس أيضا شارك زميلنا وصديقنا الإعلامي عبد اللطيف المناوي في مقاله الأسبوعي في «المصري اليوم» في المعركة بقوله: «السيد محافظ البنك المركزي طارق عامر هو الأكثر إثارة للجدل في الفترة الأخيرة، هناك الكثير من التحفظات على قراراته، وهناك تقييمات مختلفة لأدائه وأسلوب إدارته لأزمة الدولار، منذ توليه مسؤولية البنك المركزي. البعض يقف معه لكن الأغلبية ـ كما يمكن لمس ذلك بسهولة من تصفح الصحف واستطلاع آراء الخبراء الاقتصاديين ـ لا يوافقون على طريقة تعامله مع الأزمات المتلاحقة في السوق المصرفية. البعض يعتقد أنه امتداد لمدرسة قديمة أثبتت نجاحها في إدارة البنك المركزي من قبل، لكن الكثيرين على الطرف الآخر يرون العكس، ومن بين هؤلاء الكثيرين قطاع كبير من المستثمرين العرب ومعظم المتابعين للوضع المصري، الذين لهم تقييمات مختلفة معظمها سلبية لمعركة الدولار الذي يواصل صعوده، على الرغم من كل الإجراءات التي اتخذها السيد المحافظ .

محاولات لإجراء الصلح

بين ساويرس ومحافظ البنك المركزي

لكن زميلتنا الجميلة رئيسة تحرير جريدة «الفجر» الأسبوعية المستقلة منال لاشين خالفت عبد اللطيف وساندت طارق عامر وهاجمت ساويرس بقولها: «بالنسبة لنجيب ساويرس فإن المطلوب إخلاء السوق تماما من أي مال عام، ومن كل رائحة للدولة. الجريمة الرئيسية هي محاولة البنك الأهلي (عبر إحدى شركاته) منافسة ساويرس، أو أي رجل أعمال كبير في «البيزنس». المطلوب أن يعمل أهل القطاع الخاص وحدهم في الساحة، تصوروا يجب أن لا تنافس بنوك أو شركات المال العام أهل البيزنس، حتى في ظل قواعد موحدة تطبق على الجميع. فأهل البيزنس يتكتلون لمصالحهم، والآن يحاول خمسة من كبار رجال الأعمال إجراء صلح ولو ظاهري بين نجيب وطارق، لا تخلو معركة لساويرس من صوت عال ومعسكر أنصاره يدافعون عن أخطائه ويكيلون الاتهامات لخصمه».

التدهور الاقتصادي ليس وليد اليوم!

ويوم السبت شارك زميلنا في «الجمهورية» مدبولي عثمان في الهجوم على رجال الأعمال بقوله: «ليس من الموضوعية تحميل حكومة شريف وحدها المسؤولية. فحالة الفقر والتدهور الاقتصادي التي وصلنا إليها الآن تعود جذورها إلى أكثر من 42 عاماً، وبالتحديد عام 1974عندما أخذ الرئيس الراحل أنور السادات بمنهج الانفتاح الاقتصادي، والتحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصادي الاستهلاكي، وخلال سنوات قليلة تحولت مصر إلى سوق استهلاكي واسع متخم بجميع السلع الاستهلاكية، واكتمل المخطط التدميري في عهد الرئيس الأسبق مبارك بسماحه للعصابة المحيطة به بارتكاب جريمة بيع أدوات الإنتاج العامة المملوكة للشعب، تحت شعار خداع يسمى «الخصخصة» لنعيش عالة على ما ينتجه الأجانب «الأعداء». أرى أن شريف استعاد بعضاً من الثقة بعد إعلان برنامجه أمام مجلس النواب، وحدد بالأرقام الموثقة التحديات التي تواجهها حكومته، وأعلن عن 7 مبادئ أساسية سيركز عليها خلال العامين المقبلين، وحصوله على الثقة كاملة سيكون مرهوناً بتنفيذ ما وعد به، وفي التوقيت الذي أعلنه. ولكن التساؤل كيف سيوفر تمويلات لتنفيذ برنامجه وهو يعترف صراحة بأن أكثر من 75٪ من الموازنة العامة يوجه للإنفاق على الأجور والدعم وفوائد الدين العام. تاركاً نسبة أقل من 25٪ للإنفاق على صيانة وتطوير البنية الأساسية والخدمات المقدمة للمواطنين من تعليم وصحة وإسكان ومرافق».

محافظ البنك المركزي هو الذي يقود السفينة

أما زميله مجدي دربالة في «أخبار اليوم» عدد يوم السبت أيضا فدخل مباشرة إلى قضية الصراع الذي يخوضه محافظ البنك المركزي بقوله: «كنت أشفق على محافظ البنك المركزي من فتح جبهة جديدة، كما حدث الآن من بعض رجال الأعمال الذين انتفضوا لمواجهة قرار عامر، وكأن الموضوع شخصيا وليس قرارا من صميم صلاحيات محافظ البنك المركزي، ورغم تقديري الكامل لخبر المصرفيين الذين سيؤثر القرار على مكانتهم ومنهم، هشام عز الدين رئيس البنك التجاري الدولي، وأحد أبرع المصرفيين المصريين، وشيخ المصرفيين عبد الحميد أبو موسى محافظ بنك فيصل، وفتحي السباعي رئيس بنك التعمير الذي استطاع أن يجعل للبنك مكانا بين الكبار، وأشرف الغمراوي الرئيس التنفيذي لبنك البركة، الذي ساهم في أكثر طفرة في مؤشرات البنك، ولكن القرار في النهاية سلطة قانونية لمحافظ البنك المركزي، الأمين على ودائع الملايين، وقد سبقه هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق في طلبه إقصاء أندرو لونج رئيس بنك HSBC ، وروبرتو فر فرتشيلي رئيس بنك الإسكندرية، لارتكابهما أخطاء. فمحافظ البنك المركزي في النهاية هو الذي يقود السفينة، ومسؤول عن أموال المودعين، وليست الجمعية العمومية التي ليس لها هم إلا حصد الأرباح. احترم صمت وتقدير القيادات المصرفية لقرار البنك المركزي، الذين رفضوا التعليق عليه، على الرغم من وجود دعاوى قضائية ضد القرار، ولكن محافظ البنك المركزي لم يقصد بالطبع الانتقاء في قراراته، فهي ليست عادة طارق عامر الذي يعمل في أصعب الظروف، التي قد تواجه أي محافظ للبنك المركزي في تاريخه، وكالعادة استغلت بعض وسائل الإعلام الحدث وبدأت تتفاعل وتنقل للخارج صورة سيئة عن المناخ المصرفي».

نجيب ساويرس:

الشعب المصري ابن نكتة

وفي اليوم التالي الأحد وفي مقاله الأسبوعي في «الأخبار» فضّل نجيب ساويرس الابتعاد عن المشكلة، واللجوء إلى قضية خفة دم المصريين وميلهم الطبيعي لإطلاق النكت حتى على أنفسهم، واستعان في ذلك بخالد الذكر رغم عدم محبته له. قال محاولا فك التوتر مع محافظ البنك المركزي: «لتلطيف وتغيير «المود» بعد مقال الأسبوع الماضي، أتناول في مقال اليوم ميزة خص الله بها المصريين وهي خفة الدم والروح. فالشعب المصري معروف عنه أنه ابن نكتة، بل هو أبو النكتة فعنده ملكة الاستهزاء في أصعب الظروف التي يمر بها، والسخرية من كل شيء، ومن كل شخص، حتى الرؤساء لم يسلموا أيضا من نكات وقفشات المصريين. ما زلنا نذكر عبد الناصر عندما زادت النكات اللاذعة حوله بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 واضطر إلى إثارة موضوع النكتة في خطبة الاحتفال بعيد الثورة الذي حل بعد شهر من هزيمة 67، أنا عارف الشعب المصري كويس ما هو أنا منه وتربيت فيه كل واحد يقابل واحد يقول له سمعت آخر نكتة؟ ويحكي الشعب المصري يسمع أي حاجة وينكت عليها». وفي مقطع آخر: أنا نفسي كنت بسمع النكت برضة، برضة واحد بيقول لي سمعت آخر نكتة زي ما بتقولوا لبعض، وطبيعتنا أحنا كمصريين، وأنا عارف الشعب المصري دا شعب عمره سبعة آلاف سنة، وقهر كل الغزاة كسرهم كل اللي جم هنا خلص عليهم من قمبيز إلى نابليون وقعد ينكت عليهم عبد الناصر نفسه بكل قوته لم يطلب من الشعب المصري أن يكف عن التنكيت لأن هذا من رابع المستحيلات».

صفقة مالية سبب الصراع

والواقعة التي أشار إليها نجيب صحيحة، لكن الخطأ فيها أن خالد الذكر لم يتكلم في الموضوع بسبب مئات النكت التي تناولته، وأبرزها النكتة عنه وعن الرئيس السوفييتي نيكيتا خروشوف، أو عنه وعن المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية وقتها، وبالمناسبة فإن محافظ البنك المركزي الذي اشتبك معه ساويرس طارق عامر هو ابن شقيق عبد الحكيم عامر، إنما عبد الناصر أثار الموضوع بسبب النكت التي أنصبت على ضباط الجيش فقط، وقال للشعب إنهم لم يعودوا يرتدون الملابس العسكرية في الشوارع أو الانتقال من مكان لمكان خشية تعرضهم للسخرية والتنكيت، وأنهم ظلموا في هذه المعركة لأنهم لم يحاربوا أصلا، وأنهم أبناؤكم وطالب صراحة بوقف التنكيت على الجيش والمدهش أن النكت على الجيش توقفت فورا استجابة لطلبه .

لكن استعانة نجيب بخالد الذكر وإشادته به بعبارة «بكل قوته» لم يمنع ناصريا في «الأخبار» هو زميلنا وصديقنا رئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف من أن يغمز نجيب بقوله في عموده اليومي «في الصميم»: «كان الملياردير يخوض معركته ضد محافظ البنك المركزي طارق عامر، بسبب صفقة مالية يقول ساويرس إن المحافظ يعطلها له، ولست خبيرا اقتصاديا لمناقشة الخلاف، ولكن أقف أمام ما كتبه ساويرس بنفسه في «الأخبار»، وهو ليس مجرد رأسمالي نشيط فقط، ولكنه صاحب حزب ومالك لإمبراطورية إعلامية ولوعي كامل بمعنى تهديده الذي يقول «بالنسبة لي ولاستثماراتي فإن أرض الله واسعة». بالطبع نتمنى له ولأمواله طيب الإقامة في أي مكان يختاره ولكن السؤال يبقى هل هذه العقلية يمكن أن تحقق ما نرجوه لهذا الوطن».

البنك المركزي «ماشي زي القطر»

وقد اضطرنا جلال إلى البقاء داخل مؤسسة الأخبار التي تصدر عنها يوميا «الأخبار المسائي» التي قال فيها صاحبنا خالد عبد الحميد عن طارق عامر وساويرس: «البنك المركزي «ماشي زي القطر» لحل المشاكل والرأسمالية الاقتصادية المباشرة تضر البسطاء والدولة.. كلمات جاءت على لسان محمد بدراوي عضو مجلس النواب الذي وضع يده على الجرح عندما أشار في تصريحاته إلى الرأسمالية الاقتصادية التي تخوض حربا ضد الدولة للسيطرة على سوق المال في مصر، بعد أن سيطرت على الإعلام الخاص ووظفته لخدمة مصالحها ليكون يدها التي تبطش بها بكل من يقف أمام تحقيق أطماعها.. تلك الكيانات راحت تنفذ مخطط السيطرة على أدوات الاقتصاد وتواجه الدولة المصرية، وظهر ذلك جليا في صفقة «سي إي كابيتال» التي حاول من خلالها أحد رجال الأعمال الكبار السيطرة على 25٪ من سوق المال في مصر، رافضا دخول البنك الأهلي المصري وهو أكبر مؤسسة مصرفية في مصر في تلك الصفقة وعلى الفور، وبعين الخبير اشتم محافظ البنك المركزي طارق عامر رائحة ليست طيبة في هذه الصفقة فتدخل باعتباره الأمين على الجهاز المصرفي في مصر، للدفاع عن حقوق الدولة المصرية وإنقاذ سوق المال، فما كان من رجل الأعمال صاحب اليد الطولى في مصر وربما خارجها إلا أن أعطى الإشارة لأدواته الإعلامية وغيرها ممن يسمون ناشطين سياسيين ومن بينهم شاب ثوري يشغل منصب مساعد لأحد الوزراء للهجوم على الدولة المصرية، ممثلة في رئيس الجمهورية، حيث وجه هذا «الموظف» ومن خلال البرنامج الذي يقدمه على قناة رجل الأعمال هجوما على الرئيس ضمن حملة ممنهجة».

المثقفون والرئيس

وإلى القضية التي شغلت اهتمام عدد محدود جدا من المثقفين رغم انتشارها على صفحات الصحف والمجلات، وهي الاجتماع الذي عقده الرئيس مع سبعة وعشرين من المثقفين، واستمع إليهم وطلب منهم تشكيل لجان في ما بينهم لدراسة مختلف القضايا وتقديم حلول لها، على أن يعقد اجتماع آخر بعد شهر. وبالفعل اجتمع زميلنا وصديقنا وزير الثقافة حلمي النمنم بعدد منهم، لمراجعة ما انتهوا إليه وقد تعرض لقاء الرئيس مع هذا العدد إلى هجمات وانتقادات بعضها كان ساخرا. كما دافع البعض عنه وكان منهم رئيس معهد الدراسات العربية الأسبق التابع لجامعة الدول العربية الدكتور أحمد يوسف وقوله عنه: «تجد بينهم كل الأطياف الفكرية والسياسية المصرية، ومع ذلك فإن حالة «اللا سواء» كانت حاضرة في ردود فعل البعض، الذي شكك في أن يكون هؤلاء ممثلين صادقين للجماعة المثقفة المصرية، أو في قدرتهم على أن يأتوا بشيء جديد مفيد. وقد وصل الأمر إلى حد القول بأنهم انتقاء إدارات التوجيه المعنوي وتصنيفهم بأن أغلبهم من الموالين للسلطة، الذين ضُم إليهم بعض الشخصيات المحترمة وأن المحترمين منهم قد تم احتواؤهم! وقد دفعني هذا إلى إعادة قراءة أسماء الحاضرين، ثم تعجبت لأن العكس هو الصحيح، وحتى الذين يمكن وصفهم بالموالاة فإن هذا الوصف لا يعنى أكثر من أنهم لا يريدون هدم المعبد على رؤوسنا، كما يريد غيرهم، وإنما يبغون الإصلاح وينتقدون بصدق وشجاعة، بل ما الذي يضير لو أراد مسؤول أن يجتمع بأنصاره المحترمين ليستمع إليهم ويستمعوا إليه؟ ومن يستطيع أن يحكم الآن ونحن لا نزال في بداية الطريق على أنه قد تم احتواء المعارضين؟».

فاطمة الناعوت وحرية الرأي والفكر

وإلى أحمد آخر هو زميلنا في «المساء» أحمد سليمان الذي أمسك برقاب عدد من المثقفين ومنهم الجميلة فاطمة ناعوت وقال عنهم يوم السبت: «منهم من قال «إنه فقد شهية الكتابة وأصيب بالإحباط بعد سماعه خبر تأييد حبس فاطمة ناعوت» ومنهم من أعلن تضامنه معها ورفضه للحكم. ومنهم من قال «إن الدور جاي جاي على كل المثقفين»، ومنهم من قال «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، ومنهم من قال «ينزلوا لنا الشارع بقي بالخرزانات». أما هي نفسها فقالت بعد تأييد حبسها «أنا أحد أكثر من دعوا للحب والمحبة بين الناس ومفردات الحياة حتى للحيوان، وأنا أكثر من فني عمره علشان محاربة الطائفية والعنصرية وحماية الأقليات والمرأة والأطفال.. وما يحدث ضد أي قيم تعلمناها». فالعملية ليست مطلقة وإلا لتركنا المثقفين يكتبون ويدعون للإلحاد والتشيع والفجور وممارسة البغاء والكتابة في تفاصيل العلاقة الزوجية، كما فعل أحدهم منذ فترة قريبة، وتمت محاكمته أيضا بتهمه نشر الفجور. وقامت قيامة المثقفين بسببه أيضا.. هل وقتها نقول إنه يجب مقارعة الحجة بالحجة، لأن ذلك يدخل ضمن حرية الرأي والفكر؟ تابعت لقاءين لهذه الكاتبة في الفضائيات للدفاع عن نفسها، لكنني وجدتها تردد دوماً في لقاءاتها أسماء مفكرين مثل، ابن رشد والحلاج وابن المقفع «والأدهم ابن الأرقم ومحمد عبده وبرتراند راسل، الفيلسوف الإنكليزي، لأنها تعلم جيداً أن معظم المذيعين ومقدمي البرامج لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء المفكرين، ولم يقرأوا لهم أو عنهم، وبالتالي فهي تخرسهم بدلاً من أن يجادلوها. المفاجأة أنني وجدتها تنفي ما ذكرته في التدوينات وقالت في لقائها مع المذيعة إيمان الحصري في برنامج «90 دقيقة» إنني قلت في التدوينة إنه على من يذبح الأضحية أن يحسن الذبحة، ويجعل آلة الذبح حادة. ولا يجعل حيواناً آخر يرى الأضحية وهي تذبح «ما رأيكم في «حرية» فاطمة؟».

الخيال والعقل الناقد قرينا الحرية

وأما الأحمد الثالث والأخير الذي قفز داخل حلبة هذه المعركة فكان زميلنا في «المقال» أحمد رمضان الديباوي وقوله يوم السبت: «وفي الحق فأنا لا أبتغي هذا الدفاع عن ناعوت لشخصها الكريم، وإن اختلفت معها أحيانا في غير رأي تراه، أو مذهب تذهبه، لكنني أدافع عن حرية الفكر والإبداع مهما كانا ومهما حركا من مشاعر وقضايا قد تكون صادمة لكثيرين، بحكم أيديولوجية التعليم في مصر، فالحجر على الفكر والرأي إنما هو طريق تكلس العقل الجمعي وجموده الموروث العقيم، فلا يبقى نتيجة لذلك آثاره من تقدم أو تطور أو عقل، بينما تبقى الخيبات الثقيلات حاضرة بكثافة كئيبة، كما هي الحال الآن. ثم نتشاكى في ما بيننا من التطرف والإرهاب والجريمة الفاشية في مجتمعنا، كما لم تفش من قبل. لا أحب أن ثمة تقدما سياسيا أو اقتصاديا أو علميا سنبلغه من دون أن نلمس تطورا في مجال حرية الفكر والتعليم والإبداع، فالخيال والعقل الناقد قرينا الحرية، ولا أخال وطنا يتقدم بدون خيال وعقل ناقد وإلا فانتظروا أمواتا وتصحرا للعقل المصري في القريب العاجل، ألا فليعلم الرئيس السيسي ذلك وليحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان».

الثلاثي اللعين: داروين وفرويد وأميل دوركايم

وإلى معارك الإسلاميين وكان أبرزها تلك التي خاضها يوم الخميس زميلنا في اللواء الإسلامي زغلول عبد الحليم مخرجا لسانه لكل أصحاب التنوير بقوله: «الثلاثي الذي أخرج المرأة من البيت هو نفسه الذي صنع منها (الموديل) وعرض جسدها للناظرين، فصارت لعبة للتسلي واللهو والمجون المفضوح، الذي يعجز النفر منا عن وصفه. الثلاثي الذي أخرج المرأة من البيت لتدع أطفالها أمانة لدى (ما يطلق عليها المربية) لتعود بعد رحلة ساعات طويلة لتجد قائمة هائلة من التجاوزات، وربما الانحرافات (في حالة الإطلاع عليها). الثلاثي الذي أخرج المرأة من البيت ليظل الرجل مع الشيطان اللعين، دع خيالك يجمح بك وسترى عجباً. الثلاثي الذي أخرج المرأة من البيت إلى (النادي) ومعها (الشلة) لتناول الشاي الذي قد ينتهي إلى (مشروب آخر) بفعل التحسين الدائم الذي يطلق من أفراد الشلة. الثلاثي اللعين: داروين وفرويد أميل دوركايم. من أكبر مآسينا العقلية أن يقدم لنا كتاب (أوائل عشرينيات القرن الماضي) داروين وفرويد إميل دوركايم كبدائل لكبار كتابنا من المدرسة القرآنية التي تتشكل على أساسها عقيدة وسلوك المسلم، وقد وصفوهم بكتاب العالم الحر، منتهى التدليس. نقول لرواد الانبهار: اتركونا لجهالتنا.. اتركونا لجهالتنا، نريد أن تعود المرأة إلى بيتها لتنشئة جيل مسلم يحقق أمنيات وطنه، نريد أن تترك المرأة لدينها وألا يفسده رواد الانبهار بموادهم المسمومة المنحطة، نريد أن نرى المرأة كما يريدها ربها لا كما تريدها (نوال السعداوي) والله يقول الحق وهو يهدي إلى الصواب».

الأحاديث النبوية بين التشاؤم والتفاؤل

وكان لافتا أنه في يوم الخميس نفسه نقرأ لزميلنا في «اليوم السابع» وائل السمري مقاله الذي جاء فيه: «في الوقت الذي يوجد فيه العديد من الأحاديث التي تؤكد أهمية مكانة المرأة في الإسلام ومساواتها للرجل في كل شيء، هناك أيضا العديد من الأحاديث الواردة في «الصحاح» تنفي هذه النظرية من أساسها، ومن هذا الحديث الذي يقول: «إنما الشؤم في ثلاثة: الفرس والمرأة والدار» وهو ثابت في صحيحي البخاري ومسلم. بينما هناك حديث آخر ينهى عن التشاؤم فيقول «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»، وهو مروى في البخاري ومسلم والآخر الذي يقول «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ»، وهو أيضا مروى في البخاري، فكيف يجعل أحد الأحاديث من المرأة سببا للتشاؤم بينما ينهى الحديث الآخر عن التشاؤم أصلا؟».