&سلمان الدوسري& &

&أما وقد هدأت العاصفة، وانقشع بعض من غبار أثاره رسم كاريكاتيري نشر في هذه الصحيفة الجمعة الماضي بشأن لبنان، وبانت المواقف على حقيقتها، سواء أولئك الذين أثاروا لغطًا حول فهم رسمة كارتونية وفسروها بغير ما تحتمل، وهو أمر مفهوم ومقدر، أو آخرون استخدموها سياسيًا لمصالح وقتية، ناهيك بآخرين فضلوا التبرير لاعتداء همجي، لم يكن ضد مكاتب الصحيفة في بيروت، بل كان ضد الإعلام اللبناني والعربي بأكمله، وليس «الشرق الأوسط» فحسب، للأسف. ومع كل التقدير لكل أولئك المختلفين مع الكاريكاتير، كان يفترض فيهم أن يكونوا أول من يدافعون عنه كمبدأ، بغض النظر عن اختلافهم مع المضمون. مؤسف أن يكون رد فعلك على رأي استخدم الريشة فقط، اتخاذ البلطجة وسيلة للتعاطي معه.

وبعيدًا عن رأي أسرة تحرير «الشرق الأوسط» في الكاريكاتير - التي اعتبرته رسمًا ساخرًا يتناول الأوضاع السياسية التي يعيشها لبنان بلا رئيس جمهورية ولا سلطة تشريعية، وأيضًا بلا سلطة تنفيذية تقريبًا، وتتحكم في القرار السياسي للدولة ميليشيا مصنفة إرهابية في كثير من دول العالم، وهي حالة نادرة لا تعرفها باقي الدول مهما تردت تركيبتها السياسية - فلا بد من التأكيد على حقيقة مهنية ثابتة، وهي أن الكاريكاتير في أي وسيلة إعلام في العالم، شأنه شأن المقال، يعبر عن رأي صاحبه، ولا يعبر عن رأي الصحيفة، وهذا بالطبع لا يعفي وسيلة الإعلام من تبعاته القانونية كما جميع ما ينشر فيها، لكنه ليس افتتاحية للصحيفة مثلاً من أنه يمكن اعتباره يعبر عن رأيها. وما يؤكد هذه الحقيقة أن بعضًا من رسومات الكاريكاتير ليس شرطًا أن تتوافق مع رأي أسرة التحرير نفسها، ومع هذا تجد طريقها للنشر، فالرسام صاحب رأي ويعبر عنه بريشته التي يجسد بها فكرته، أما لو أردنا محاسبة كل صحيفة على ما ينشر فيها من مقالات ورسوم، لكانت كل الصحف اللبنانية مذنبة، بل ولأغلقت جميعًا ولم تبقَ واحدة منها!

ستظل «الشرق الأوسط»، كما كانت منذ تأسيسها، تلتزم الأعراف المهنية وتقبل النقد ولا ترفضه، وكم كان بإمكان الغاضبين من الكاريكاتير التعبير عن ذلك حتى على صفحات الجريدة، وهذا حق لا ينازعهم عليه أحد، فأي صحيفة ليست فوق النقد، وحق الرد مكفول للجميع، والرد ليس منحة تقدمها وسائل الإعلام، بقدر ما هو واجب تفرضه أصول المهنة، و«الشرق الأوسط» أول من يحترم هذا ويلتزم به، في حين أن ترسيخ مفهوم التعبير باستخدام العنف يهدد الجميع وليس هذه الصحيفة فحسب، واللبنانيون أنفسهم يعلمون جيدًا أن «الشرق الأوسط» من أكثر الصحف التي كانت وستظل تقدم الآراء المتوازنة في الشأن اللبناني، وهنا ربما كانت المفاجأة الكبرى قادمة من الصحافة اللبنانية التي لامت الصحيفة، بل قامت بما هو أخطر من ذلك، عندما خلطت بين الصحيفة بصفتها مؤسسة، وبين كاتب أو رسّام ينشر رأيه، مع التأكيد مجددًا أن «الشرق الأوسط» لا يمكن أن تسيء للأوطان أو الشعوب، وما قد يعبر عنه بعض الكتّاب، يجب أن يسأل عنه الكتاب أنفسهم ليشرحوا وجهة نظرهم.

الحديث هنا بالطبع موجه إلى اللبنانيين العقلاء، لا لبنانيي ما يسمى «حزب الله»، الذين يكفينا عناء الرد على عدوانيتهم وتحريضهم ضد الصحيفة، تصريح نواف الموسوي النائب عن الحزب، عندما دافع عمّن علقوا لافتة تشتم السعودية، واصفًا الحفلة الشتائمية بأنها من «سمات حرية التعبير في لبنان»، وزاد أن ملاحقة السلطات اللبنانية للمعتدين «هي ملاحقة مخالفة للقوانين اللبنانية التي تكفل حرية التعبير». هذه هي حرية التعبير في لبنان الجديد؛ لبنان الذي كان متقدمًا بآلاف الأميال عمن سواه، قبل أن تختطفه ميليشيا وتصمت الغالبية.

اهنأوا بمفهومكم للحرية، فهي لا تشبه لبنان الذي نعرفه.

&

&

&