&&محمد العسومي

&

عندما ذكرنا أكثر من مرة بأننا في دول مجلس التعاون الخليجي قادرون على التعامل بنجاح مع انخفاض أسعار النفط رغم بعض الصعوبات، وأن ذلك لا يخيفنا رغم الحملات الإعلامية وتشويه الحقائق، اعتبر البعض أن في ذلك شيئاً من المبالغة، إلا أن الردود الخليجية على أعلى المستويات جاءت سريعة وقوية، فبعد إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن توجه الدولة الاستراتيجي للاستعداد لتصدير آخر نقطة نفط، جاء إعلان الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي عن توجه استراتيجي آخر يقضي بالتأسيس لمرحلة ما بعد النفط بإقامة أكبر صندوق سيادي في العالم بحجم تريليوني دولار.

ماذا يعني ذلك؟ الصندوق السيادي السعودي المسمى «صندوق الاستثمارات العامة» موجود منذ سنوات، إلا أن الخطوة الجديدة ترمي إلى تنميته ليضيف الكثير ويساهم بصورة كبيرة في تنويع مصادر الدخل الوطني من خلال تحسين إدارته وإعادة هيكلته وتنمية قدراته المالية ليتحول إلى أكبر صندوق سيادي بعائدات سنوية هائلة، ستساهم وفق البيانات المتوفرة بما لا يقل عن 40% من إيرادات الميزانية السنوية للسعودية، وإذا أضيف إلى ذلك مداخيل الحكومة الأخرى، كالرسوم والضرائب، بما فها الرسوم الجمركية، فإن مساهمة النفط في الموازنة العامة ستنخفض إلى أقل من 50%، مقابل 90% في الوقت الحاضر ليأتي ذلك ضمن خطة وطنية جديدة سيتم الإعلان عنها خلال شهر أبريل الجاري.

صحيح أن جزءاً كبيراً من أصول الصندوق موجود حالياً، إلا أن التوجه الجديد سيؤدي إلى تعظيمها لتلعب استثماراته وعائداته دوراً أساسياً في دخل الحكومة عبر خطوتين أساسيتين، الأولى جعل الاستثمارات العامة هي المسؤول عن أهم وأكبر استثمارات السعودية داخلياً وخارجياً. أما الثانية، وقد أشرنا إليها في مقالة سابقة تتمحور حول تحويل شركة «أرامكو» إلى شركة مساهمة من خلال طرح 5% تقريباً من الشركة الأم للاكتتاب العام في غضون العامين القادمين ونقل أسهم الشركة إلى الصندوق السيادي إلى جانب ملكية الصندوق لأسهم في شركات عملاقة أخرى، كشركة الصناعات الأساسية «سابك»، والتي تعتبر ثاني أكبر شركة للصناعات الكيماوية في العالم.

وللمزيد من التوضيح، يمكن الإشارة إلى أن إعادة الهيكلة ستؤدي إلى إعادة هيكلة الاستثمارات لتصبح أكثر عائداً وفعالية، فالعلاقة بين الاستثمارات المحلية والخارجية تعاني حالياً من تفاوت كبير وبنسبة 95% لللاستثمارات المحلية و5% فقط للاستثمارات الخارجية، حيث سيتم ضمن التوجه الجديد رفع نسبة الاستثمارات الخارجية إلى 50% لتتوازن مع الاستثمارات المحلية من خلال استحواذات عالمية في مؤسسات مالية وصناعية وعقارية كبيرة ومربحة، وهو ما يتناسب ومرحلة العولمة وتداخل الاقتصاد الدولي، والذي يوفر فرصاً مجدية في العديد من بلدان العالم المتطورة والناشئة.

في الوقت نفسه ستنمو الاستثمارات الداخلية بشكل عام، وستساهم التغيرات المرتقبة في الصندوق السيادي في دعم الاستثمارات الداخلية، فقد أعلن على سبيل المثال عن مشروع صناعي ضخم للمعادن سمي «وعد الشمال» باستثمارات كبيرة قدرة بـ36 مليار ريال (9.6 مليار دولار) ستتوفر من خلاله 20 ألف فرصة عمل، حيث يمكن المساهمة أيضاً في هذا المشروع المستقبلي، كما ينوي الصندوق الاستثمار بكثافة في صناعة تكرير النفط على المستوى الدولي لتتحول «أرامكو» إلى أكبر شركة عالمية لتكرير المنتجات النفطية. إذن يمكن القول إن المرحلة القادمة ستشهد تحولات مهمة في دول مجلس التعاون الخليجي للتحضير لفترة ما بعد النفط، حيث تملك دول المجلس مثل رؤيتي الإمارات والسعودية اللتين من خلالهما يمكن القيام بالمزيد من التنوع الاقتصادي وإعادة هيكلة بعض المؤسسات لتستجيب لخدمة هدفها الرئيسي الرامي إلى تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، وبالتالي المحافظة على المستويات المعيشية الجيدة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في دول المجلس.