&أيمـن الـحـمـاد

غدا اليوم بالإمكان أن تتعانق القارتان الكبيرتان آسيا وإفريقيا بفضل الجسر البري الذي سيربط المملكة بمصر، إنه لإنجاز ومنجز حضاري وتنموي دولي بأن يسهم البلدان الشقيقان في تحقيق هذا الحلم، وتطويع التاريخ والجغرافيا لخدمة المنطقة التي قيل إنها أمام مشاريع التقسيم و»سايكس بيكو» آخر، لنجد أنفسنا اليوم أمام مشروع يحمل اسم الملك سلمان الهدف منه توحيد الوطن العربي وشد أواصره وربط بعضه ببعض.

لقد أصبح الطريق إلى الرياض وإلى القاهرة قصيراً وسالكاً أكثر من ذي قبل، ولا عزاء لمن عوّل على إفساد العلاقة أو فتورها، ليكتشف أن بين البلدين عماراً وطريقاً طويلاً في الازدهار للتّو بدا..

الجسر الذي يحمل رمزية سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة؛ هو ترجمة حقيقية لرؤية الملك سلمان في توحيد مواقف العرب والمسلمين فعلاً لا قولاً، ولأجل ذلك فإن وضع أيدينا بيد هذا القائد العربي المسلم ضرورة ومطلب لا خيار، من أجل رفعة الأمتين.

إن مشروع الجسر لا شك سيثير حفيظة دول عدة في المنطقة وخارجها؛ لتأثيراته الكبيرة ولتقاطعه مع مشروعات غير مشروعة، وستحتل هذه المبادرة الريادية التاريخية أوراق الباحثين وصناع السياسات الذين سيقبلون على تحليل هذه الخطوة الجيواستراتيجية.

قبل الزيارة التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر بأيام، أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعديلاً وزارياً شمل عشرة وزراء، ومن ضمن الحقائب التي شملها التغيير تلك المتعلقة بالاقتصاد والاستثمار، وكان الرئيس السيسي قد ظهر قبل شهر تقريباً في أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة ليصارح شعبه بأن البلد يئن تحت وطأة خمسين عاماً من التراجع.

تلك التغييرات الحكومية تعكس إحساس القيادة المصرية بحاجة القاهرة إلى ضخ دماء جديدة وأفكار متجددة، لإنقاذ الاقتصاد المتعثر والذي يعاني تراكمات عقود من البيروقراطية والفساد وضعف البنية الاستثمارية، التي أسهمت في تردي أوضاع دولة لو تلقت عناية اقتصادية لغدت رائدة في اقتصاديات الدول الكبرى.

ولأجل ذلك قامت دول الخليج منذ بداية ثورة 25 يناير بمحاولة إيقاف تداعي الاقتصاد المصري، وحدث ذلك أيضاً بعد ثورة 30 يونيو، وسيستمر هذا الدعم الذي يأخذ اليوم أكثر من شكل بين شراكة ومنح وهبات وإقراض، فالشراكة مع مصر في المستوى التجاري مربحة للمزايا التي يحظى بها السوق المصري مغرٍ للشركات الأجنبية، لكنه في أمس الحاجة إلى التنظيم والتشريعات التي من شأنها تحريره من حقبة يعلوها الترهل وحركة تعاني البطء، وهذا سيدفع لا محالة عجلة التنمية إلى الأمام وتبدأ دورة الإنتاج في العمل، ولا شك أن رؤية منجز اقتصادي مسألة تحتاج وقتاً يجب ألا يطول، فنحن في عصر التوثب لا التثاؤب، وما زال للزيارة الملكية مفاعيل تحملها الأيام المتبقية.