عبدالله النيباري&

ما انتهت إليه جلسة مجلس الأمة عند مناقشة برنامج الحكومة لمعالجة الوضع المالي يعكس فشل المؤسستين، حكومة ومجلساً، في معالجة الأوضاع المالية الخطيرة للدولة، فأعضاء مجلس الصوت الواحد همهم صوت الناخب، لا عدم المساس بجيبه، ولا مصلحة المواطن والوطن.

فبرنامج الحكومة يعد بتخفيض مبلغ 117 مليون دينار من العجز في ميزانية وزارة الكهرباء، البالغ 2379 مليون دينار، أي بنسبة أقل من 5 في المئة. وللعلم، فإن العجز أعلاه في ميزانية 2015/ 2016 أقل مما كان عليه في ميزانية 2014/ 2015، نتيجة للفارق بين أسعار النفط التي كانت أعلى في السنة المالية السابقة.

فإذا كانت مؤسسات الدولة، حكومة ومجلساً وإدارة، عاجزة عن معالجة عجز وزارة الكهرباء، البالغ أكثر من ملياري دينار، فكيف ستعالج مجموع عجز الوزارات والإدارات الحكومية، الذي تجاوز 8 مليارات دينار؟ فوزير الكهرباء يقول إن تكاليف إنتاج وتوزيع الكهرباء والماء نحو 2.5 مليار دينار عام 2015، و7.6 مليارات عام 2035، أي بعد حوالي عشرين سنة.

والأدهى من ذلك، أن استمرار استهلاك الطاقة والماء بنفس المعدل سيرتفع من 340 ألف برميل يومياً عام 2015 إلى 900 ألف عام 2035، وهذا يعني انخفاض تصدير النفط من 2.7 مليون برميل إلى أقل من مليوني برميل، وسيؤدي حتماً إلى تناقص إيرادات تصدير النفط بنحو 30 في المئة.

ارتفاع استهلاك الكهرباء والماء أمر حتمي، نتيجة تزايد عدد السكان، وربما تزايد معدلات الاستهلاك، وهذا فقط في نطاق هذا المرفق.

لكن الأمر قد يكون أدهى من ذلك، فالأزمة الحالية تهون عن الأزمات القادمة، إذا كان بالإمكان معالجتها بالسحب من الأموال المستثمرة في الخارج أو الاستدانة، فقد تصل يوماً إلى نضوب هذه المصادر مع تفاقم وارتفاع العجز في الميزانية إلى معدلات يمكن وصفها بأنها ستكون رهيبة.

ففي تقرير صادر عن حكومتنا الرشيدة عام 2013 عرض تقديرات مستقبلية تقارن الإيرادات المحتملة بالمصروفات العامة، فوفقاً للسيناريو الأول، يفترض إنتاج 2.7 مليون برميل يوميا من النفط، وسعر البرميل 70 دولاراً، فإن مصروفات الدولة ترتفع بمعدل 7 في المئة سنوياً وفقاً لهذه الافتراضات.

ويشير التقرير إلى بداية ظهور العجز سنة 2022/ 2023، ويرتفع ليصل عام 2035 إلى 52.6 مليار دينار، ويصبح إجمالي العجز المتراكم في ذلك العام 344.2 ملياراً.

أما السيناريو الثاني، فيفترض إنتاج 3 ملايين برميل يوميا وسعر 100 دولار للبرميل، ويبدأ العجز عام 2024 /2025 بمبلغ 989 مليون دينار، ليصل عام 2035 إلى 30.2 مليار دينار، ويصبح مجموع العجز المتراكم في ذلك العام 136.6 مليار دينار.

والملاحظات على هذين السيناريوهين، كالتالي:

1- الأسعار الفعلية قد تكون أعلى من 70 و100 دولار للبرميل.

2- النفط المتاح للتصدير قد يكون أقل من الحجم المفترض، 2.7 مليون برميل يوميا في السيناريو الأول، و3 ملايين برميل في السيناريو الثاني، بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي لإنتاج الكهرباء والماء، وسيرتفع إلى 906 ألف برميل، وفق أرقام وزير الكهرباء، وارتفاع استهلاك المحروقات من بنزين وديزل وكيروسين.

3- كلا السيناريوهين لا يأخذ في الاعتبار احتمال تناقص الاحتياطيات النفطية، وهي ثروة ناضبة، وأمامنا النرويج كمثال، التي تناقص إنتاجها، بسبب انخفاض الاحتياطيات النفطية.

في الختام، لابد من تعليق على موضوع إضرابات عمال النفط، بسبب رفضهم إلغاء أو تقليص الامتيازات التي يتمتعون بها.

لا أحد يجادل بأن مصروفات مؤسسة البترول الكويتية تضخمت، وأن بند الرواتب أيضاً تضخم، فقد ارتفعت المصروفات التشغيلية من 1.2 مليار دينار عام 2007/ 2008 إلى 3 مليارات عام 2014/ 2015، كما ارتفع بند الرواتب والمزايا والبدلات 512 مليونا عام 2007/ 2008 إلى 1449 مليونا عام 2014/ 2015، أي بمقدار أكثر من الضعف، وهذه المعدلات تحققت بعضها ربما بمطالبات العمال، وبعضها بقرارات من الوزراء والإدارة العليا.

لكن ظاهرة تضخم مصاريف الدولة وإداراتها ومؤسساتها ليست مقصورة على قطاع النفط، لكنها تطول قطاعات أخرى قبل الجامعة والتربية والقضاء، وعلى الأخص الهيئات العامة، مثل البنك المركزي وهيئة الاستثمار وهيئة سوق المال، والكثير من الإدارات، هذا بالإضافة إلى المكافآت والامتيازات التي لا حدود لها.

أي أن موضوع ارتفاع بند الرواتب والمكافآت والامتيازات والبدلات ظاهرة عامة في أجهزة الدولة، وهي ستكون عاملا أساسيا لظهور عجز في الميزانيات وتراكمه، لنصل إلى يوم قد تعجز إيرادات النفط بالوفاء بها وتغطية تكاليفها.

والعلاج، أن تتبنى الدولة نهجاً مختلفاً، يطرح ويشرح للناس بالتفصيل تشخيصاً للوضع الحالي والأزمة القادمة لا محالة، ثم معالجات عادلة ومقنعة، أما معالجات مبشرة بالقطّاعي، فلن تجدي نفعاً.