&السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

اختتمت قمة التعاون الإسلامية أعمالها في إسطنبول يوم (15 أبريل 2016) بقنبلة أربكت الوفد الإيراني؛ فقد أدان البيان الختامي للقمة التدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية لعدد من الدول منها البحرين واليمن وسورية والصومال واستمرارها في دعم الإرهاب؛ وأمام تلك الوقفة الإسلامية الجادة في وجه الغرور الإيراني؛ لم يجد الوفد الإيراني أمامه سوى الانسحاب من الجلسة الأخيرة للقمة احتجاجا على ذلك، خصوصا بعد محاولاته الفاشلة مع الدول القريبة منه - وبالأخص لبنان - للاعتراض أو التحفظ على تلك البنود.

لذلك، فإنه من المهم أن تكون الرؤية الجديدة التي تحققت في قمة إسطنبول، رسالة واضحة ورادعة لإيران تجبرها على إعادة النظر في سياساتها تجاه دول المنطقة والعمل على بناء علاقات جوار طبيعية قائمة على احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ومد جسور الثقة والإخاء وفتح آفاق جديدة للتعاون القائم على المصالح المشتركة.

كما أن إعلان القمة عن اعتماد سياسة بناء جسور الثقة والقضاء على فوبيا الإسلام بعد الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها عدد من العواصم الأوروبية، يعتبر رسالة للمساهمة في بناء عالم جديد تتشابك فيه المصالح وتتزاوج فيه الثقافات من أجل وقف التمزق المؤسف الذي أصاب البشر بعد تفاقم التعقيدات والتحديات من كل جانب.

ولعل أهم الأسباب التي وحدت الدول الإسلامية لاتخاذ هذا الموقف الحازم هي:

- الأزمات الحادة التي أصابت الأمة الإسلامية وعصفت بالقيم والمبادئ التي تجمع الدول العربية والإسلامية، ودفعت إلى حروب مدمرة وصراعات طائفية خصوصا بعد الربيع العربي، واستغلال القوى الكبرى والإقليمية لذلك لتحقيق مخططاتها وأطماعها في المنطقة.

- الموقف السعودي الصلب القائم على المبادرة في اتخاذ القرار، والتي ترجمها على أرض الواقع أهم تحالفين عسكريين في التاريخ الحديث وهما التحالف العربي في (عاصفة الحزم والأمل) والتحالف الإسلامي في (مناورات رعد الشمال) ما غير وجه التاريخ العربي بعد عقود من الاستسلام والاعتماد على الغير.

- دعم إيران المستمر للإرهاب، بسبب تعقّد الوضع الداخلي الإيراني بين المطالب الشعبية بالإصلاح والاستفادة من الانفتاح على العالم ورفع العقوبات الاقتصادية عنها كنتيجة للاتفاق النووي مع دول (5+1) في معالجة المشاكل الجمة التي يعانيها الشعب، وبين فريق يرى في دعم الإرهاب وتأجيج الصراعات الطائفية في الدول المجاورة الطريق نحو تحقيق أهداف الثورة الخمينية وإحكام السيطرة الإيرانية على دول المنطقة.

وفي إطار الثوابت التي أكدتها قمة إسطنبول والتي ارتكزت على (المساواة التامة بين الدول الأعضاء، واحترام حق تقرير المصير، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة واستقلال الدول، وحل المنازعات الناشئة فيما بين الدول الأعضاء بطرق سلمية)، وفي ظل ما يواجه العالم من مخاطر وتحديات وتهديدات، يتحتم على الأمة الإسلامية أن تواكب متطلبات التغيير والتجديد على النحو الذي يتماشى مع لغة العصر، وتحرص على العمل الإسلامي الجماعي الفعال وتطوير آلياته بما يحقق تطلعات الأمة في الوحدة والتضامن والوصول إلى العدل والسلام وتجميع طاقاتها في مسيرة العمل الإسلامي المشترك، وحل قضاياها وفق تلك المبادئ والثوابت، والتي من أهمها قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

لقد أكدت قمة إسطنبول أن (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) يعد أهم تجمع عربي ورئيسي في المنطقة، وهو ركيزة أساسية في العلاقات الإستراتيجية الجديدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث التغيير التي أطاحت بعدد من الأنظمة العربية منذ انطلاق أحداث الربيع العربي في نهايات (2010).

وهذا يتطلب أن تكون لدى دول مجلس التعاون علاقات وثيقة مع مختلف القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول الإقليم كالهند والصين وباكستان، قائمة على التوازن والشراكة والتجاوب مع تحالف المصالح الخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والدفاعية وتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية التي تعتبر جزءا أساسيا في عملية التكامل والشراكة الإستراتيجية؛ لأن الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف تاريخي وإستراتيجي وحيد لأمن واستقرار المنطقة أثبت فشله التام في السنوات الخمس الماضية نتيجة الخلط الأمريكي بين (المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية)، و(مبادئ حقوق الإنسان) التي أصبحت ركيزة أساسية في النظرية الأمريكية لعلاقات الصداقة مع دول العالم.