مأمون كيوان&&

&يعتقد الأميركيون أن نظامهم السياسي نظام عالمي فريد كونه النظام الذي يضعهم في منزلة "الحراس على معاقل الحرية في العالم" حسب تعبير الرئيس الأميركي جون كينيدي. وكان أسلوب اغتيال الرئيس وأسلوب تجديد الولاية الرئاسية مظهرين من مظاهر التغيير في النظام السياسي الأميركي الذي اتخذت الأبحاث المتخصصة بطبيعته ووظيفته اتجاهات ومناهج مختلفة منها: الاتجاه المؤسسي القانوني، والاتجاه السلوكي الذي ركز على دراسة النظم السياسية الأوروبية ومعالجة السلوك والعمل الحكومي، والاتجاه الشامل وتتم على أساسه دراسة النظام السياسي الأميركي من خلال دراسة أسسه المختلفة وهي: الأساس الاقتصادي - الاجتماعي والهيكل الطبقي للنظام الاجتماعي الأميركي، وتركيبة النخبة السائدة التوسط بين الطبقة السائدة والنظام السياسي. ويقصد بالنخبة السائدة التحالف المعقود بين الطبقة الرأسمالية والطبقة المتوسطة التي تنتدب شرائح وأفراداً لتولي صدارة المسؤولية في صنع القرار.

وحول المراحل التي مرت بها النخبة السائدة أو نخبة السلطة الأميركية كتب المفكر الأميركي رايت ملز في كتابه "نخبة القوة أو السلطة": "إن نخبة السلطة الأميركية مرت بمراحل متعددة منذ نشوء النظام السياسي الأميركي لكن هذه النخبة في مرحلتها المعاصرة تميزت بثلاث خصائص هي: انحدار قوة السياسيين المحترفين؛ وازدهار قوة الشركات أو الاحتكارات الكبرى؛ وصعود المجموعة العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية التي ركزت بظروفها الخاصة الانتباه على المجهود الحربي. في حين عيّن المفكر كارل دويتش المنابع الاجتماعية الفرعية للنخبة الأميركية السائدة ووضعها ضمن 5 مجموعات رئيسية هي: الجماعة المصرفية المالية العاملة في مجالات الائتمان والاستثمار المصرفي؛ والشركات الصناعية الكبرى مثل: جنرال موتورز، وفورد، وغيرهما من تلك التي لها نشاط ضخم في مجال الإعلان بما في ذلك حملات الانتخابات الرئاسية، والمنشآت القانونية مثل التي أسسها ريتشارد نيكسون والتي لعبت دورا رئيسيا في الربط بين التجمع الصناعي والتجمع المالي والحكومة؛ والمؤسسات العسكرية التي تبوأ عدد كبير من أعضائها مراكز تنفيذية عليا في الصناعة الأميركية وخاصة في القطاعات العسكرية، والخدمات الإعلامية والاتصالية ومجمعات الإعلام والعلاقات العامة وإمبراطوريات وسائل الاتصال الجماهيرية.

وتتحكم "النخبة السائدة" بوجهي النظام السياسي الأميركي: الوجه الرسمي- الدستوري المتمثل في الحكومة بفروعها الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية وهو الوجه المعبّر عن عملية "صنع السياسة"؛ والوجه الشعبي المتمثل بالأحزاب السياسية كأداة تقليدية لممارسة النفوذ على صانع القرار. ويهيمن على العملية السياسية الأميركية الحزبان الجمهوري والديمقراطي، ويسيطران على الرئاسة والكونغرس وحكام الولايات والمجالس التشريعية في الولايات. وأحد العناصر المتأصلة في الثقافة المدنية الأميركية هو عدم الثقة المتزايدة بالأحزاب السياسية. وعادة ما يسلط الإعلام الأضواء على مرشحي الحزبين السياسيين الرئيسيين في انتخابات الرئاسة الأميركية، أي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. لكن هناك مرشحين آخرين لبقية الأحزاب السياسية وكذلك هناك مرشحون مستقلون.

ويعتمد مرشحو الحزب الثالث بالأساس على شعور نسبة مهمة من المواطنين بالاستبعاد والعزلة السياسية. ويقول البروفيسور “برين سكافنر”، أستاذ العلوم السياسية، إن مرشحي الحزب الثالث يحققون نجاحا في الانتخابات فقط عندما يواجه أحد الحزبين الكبيرين “فضيحة”، أو عندما تقع إدارة الحزب في تطبيق سياسات فاشلة، الأمر الذي يوفر فرصة كبيرة لمرشحي الحزب الثالث لملء الفراغ الناتج عن هذه الفضيحة أو الفشل. والملاحظ أن مرشحي الأحزاب الثالثة يواجهون صعوبات كبيرة في النفاذ إلى وسائل الإعلام أثناء الحملات الانتخابية، فما لم يكن المرشح ثريا بحيث يستخدم ثروته الخاصة في شراء المساحة الإعلامية اللازمة للتعريف به وعرض برنامجه الانتخابي، يتم تجاهله تماما من جانب الإعلام.

أيضا يتم تقييد فترة ولاية الرئيس الأميركي بدورتين رئاسيتين، ولكن ليس هناك حد أقصى لفترة ولاية خدمة العضو في الكونغرس. فالعديد من أعضاء الكونغرس يبقون في مناصبهم التشريعية لفترات زمنية طويلة. السيناتور روبرت بيرد (ديمقراطي) عاصر في عمر خدمته بالكونغرس حرب فيتنام، والحرب الأهلية بلبنان، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وغزو أميركا للعراق.

هناك اعتقاد سائد مفاده أن الكونغرس يعاني من "الخمول الانتخابي" بمعنى أن أعضاء الكونغرس لا يتغيّرون إلا بقدر بسيط في المدى القريب، ومن وجهة نظر العديد من الأميركيين تعكس تلك الظاهرة خللا خطيرا في هيكل الديمقراطية الأميركية.

وتعد ظاهرة "إعادة الانتخاب" وجهاً من وجوه ظاهرة الفساد المستشري في صلب النظام الانتخابي الأميركي، ولهذه الظاهرة عنصران، يتعلق أولهما بالفساد الانتخابي المالي غير المسبوق في تاريخ الولايات المتحدة. ويتعلق العنصر السلبي الثاني في انحطاط مستوى الحوار حتى درجة الابتذال والغوغائية.

ورغم أن الميزة الأساسية للنظام السياسي الأميركي هي توازن السلطات في ما يسمى (دولة الرفاه) على أسس الديمقراطية إلا أنه هنالك عدد من العيوب والنقائص وأوجه الخلل في النظام السياسي الأميركي ومن أهمها: ظهور أزمات تاريخية، توقف عليها مصير الكيان السياسي للولايات المتحدة الأميركية كأزمة التأسيس ووضع نصوص الدستور الأميركي، وتأسيس الاتحاد الأميركي الحقيقي حسب مبادئ الجمهورية الشعبية، وهي أزمة وضع المبادئ التي أكد عليها إعلان الاستقلال موضع التنفيذ. وأزمة اصطدام الديمقراطية مع البدائل العظيمة التي ظهرت في القرن العشرين والتي تمثلت بشكل مأساوي في الركود الاقتصادي العظيم في عهد الرئيس تيودور روزفلت.

ويعزو الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي غالبية نقائص النظام السياسي الأميركي إلى أسس فكرية وأيديولوجية أنتجت مفاهيم ونظريات ديمقراطية زائفة تسعى إلى التحكم بالجماهير وليس التعبير عن مصالحها. وتوجه للنظام السياسي الأميركي انتقادات أخرى من طراز وصفه أنه نظام الحزب الواحد ذي الجناحين الجمهوري والديمقراطي، أو نظام تعددية جماعات الضغط وليس تعددية الاتجاهات والأحزاب السياسية في عملية صنع القرار السياسي.

&