&&فيصل الشريفي &&

النجاح الإعلامي في المنطقة يدخل ضمن إطار القدرة على تكميم الأفواه أو إلغاء الرأي الآخر، أما النقاش بالحجة والمنطق والدليل فليس له مكان في عقلية صانع القرار، وإلى أن تتغير عقلية الإعلام الخليجي سيكون الإعلام الغربي هو المسيطر والمتحكم في أدوات اللعبة.

سبق أن كتبت عن ضعف أداء الإعلام الخليجي في مواجهة الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية وعدم قدرته على مجاراة الإعلام المضاد مع كل الإمكانات التي توفرها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي لوزارات الإعلام وما تنفقه من ملايين لتدريب العاملين وتنظيم العديد من المؤتمرات.

مشكلة الإعلام الخليجي كما ذكرت ليست في الإمكانات المادية ولا في العقول الفنية لكنها حتما في مكان آخر، وحتما في عقلية صانع القرار الذي يرى الإعلام ثوبا، على الشعوب لبسه مهما كان ضيقاً ومهما كان قبيح المظهر.

منذ منتصف القرن الماضي والخطاب الإعلامي الرسمي يمتهن التضليل في مواجهة الأحداث، ولم يتغير في طريقة الطرح، ورغم تغير وسائل التعبير وتغير مشارب الثقافة الفكرية فإنه مازال ذلك الإعلام الذي يطلق الكذبة ويصدقها بل يطلب من الآخرين تصديقها.

الغرب بدأ يلوح بفرض عقوبات على بعض الأنظمة الخليجية من خلال بعض التسريبات الإعلامية تحت مبرر دعم الإرهاب، وقد تكون بداية الطلاق الأميركي الخليجي وفك الارتباط كما حصل مع الكثير من أصدقائهم في المنطقة، فلعبة المصالح هم يجيدونها ويبرعون في تطبيقها عملاً بمصطلح "ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم"، ومع ذلك مازال الإعلام الخليجي مشغولا بالاتفاق النووي.

المؤلم أن الإعلام عندنا سواء الخاص أو العام لم يستفد من تجارب الغرب في فهم حرية التعبير بالشكل الصحيح،& وأن تبادل الآراء أو الاختلاف عليها سلوك حضاري يثري النقاش الفكري، وأن هناك فرقا بين التجريح والنقد وبين البحث العلمي المسنود بالأدلة وبين التهريج وأصحاب فكر "خالف تعرف" وبين الحرية الشخصية والحياة العامة.

مشكلة إعلامنا وبعض مفكرينا من الساسة والمثقفين تكمن في ضحالة فهمهم لمفهوم حرية التعبير، بل إن منهم من تمادى التسابق نحو إرضاء السلطة من أجل منافع آنية قد يفقدها في أي لحظة متى ما تعارضت المصالح.

لا أريد التطرق لما أحدثه الإعلام من شروخ كثيرة في المجتمعات الخليجية من إثارة للنعرات الطائفية والقبلية، وكيف ساهم بشكل مباشر في دعم الإرهاب والتطرف بالمنطقة، فالأمثلة كثيرة ومتعددة، ويمكن مشاهدتها من خلال التنقل بين المحطات الفضائية.

النجاح الإعلامي في المنطقة يدخل ضمن إطار القدرة على تكميم الأفواه أو إلغاء الرأي الآخر، أما النقاش بالحجة والمنطق والدليل فليس له مكان في عقلية صانع القرار، وإلى أن تتغير عقلية الإعلام الخليجي سيكون الإعلام الغربي هو المسيطر والمتحكم في أدوات اللعبة.

المعادلة التي يجب العمل عليها في معالجة الاختلالات سهلة، ومفتاحها يبدأ بالتأكيد على غرس قيم العدالة والمواطنة من خلال ضمان الحقوق قبل الواجبات وحق التعبير والنقد للمواطن والمقيم.

ودمتم سالمين.