&مروان اسكندر& &&

هنالك اعتراف دولي بان بريطانيا تمثل قمة الديموقراطية في التمثيل النيابي ومناقشات مجلس العموم، ومن المفيد تالياً الاطلاع على وسائل بعض النواب الشباب لمعالجة مشكلة غلاء الشقق في لندن، سواء للشراء او للاستئجار.

عام 2009 واجه مجلس العموم فضيحة تناولت عضواً كان نائب رئيس حزب المحافظين. فقد زار هذا النائب في حينه باريس وأقام في فندق "الريتز" Ritz الذي يعتبر من أفخم الفنادق في ساحة فاندوم، وكانت اقامته ليومين سدد حسابها محمد الفايد مالك هذا الفندق ورجل الاعمال المصري وصاحب متجر "هارودز" في لندن، قبل ان يبيعه للقطريين في ما بعد.

وحين انكشف أمر زيارة النائب البريطاني لباريس واقامته ضيفًا على محمد الفايد في "الريتز"، أجبر نتيجة انتقاده في الصحافة الى الاستقالة، وخسر موقعه في نيابة رئاسة حزب المحافظين.

يتقاضى النائب البريطاني معاشًا شهريًا يساوي 76 الف جنيه، تحسم منه ضريبة الدخل على مستوى 35 في المئة فيبقى للنائب من المعاش 49,400 جنيه تعادل 71 الف دولار سنوياً.

يضاف الى المعاش تعويض للنواب الوافدين من المناطق، في حين أن لا تعويض إضافياً لنواب لندن وضواحيها، يوازي 20,600 جنيه سنويًا لاستئجار شقق لاقامتهم خمسة أيام في الاسبوع. وحيث ان هذا المبلغ لا يكفي، يلجأ نواب شباب الى وسائل تختصر النفقات ونورد ثلاثة امثلة على ذلك.

السيدة Jo Cox، التي تمثل منطقة Wapping، تقيم مع زوجها على قارب مثبت على حافة نهر التيمز قبالة مبنى العموم في لندن، ويومي السبت والاحد تتوجه وزوجها الى منطقة انتخابها حيث استأجرا منزلاً متواضعًا.

المثل الاكثر تعبيرًا عن مقدار محاولة التوفير على الخزينة يتجلى في خيار النائبة السيدة Joe Phillips التي تمثل Yardley في منطقة Birmingham. فقد انتخبت العام الماضي لتمثيل حزب العمال، وحين وفدت الى لندن قادت شاحنة صغيرة من طراز "فولكسفاغن"، معدة للنوم واقامت فيها، وهي تقول إنها شاءت ابراز خياراتها لاولادها، الذين يقبلون احيانًا على زيارتها وتوفر لهم الايواء بافتراش أرض الشاحنة.

نائب شاب اختار بدوره الاقامة على مركب صغير يخصه. فالنائب John Mercer بعد انتخابه العام الماضي نائباً عن Plymouth، قطر مركبه البحري الصغير الذي ابتاعه من مدخراته بعدما انجز خدمته العسكرية، وارسى المركب في مارينا تقع في شرق لندن.

وصرح النائب الشاب، الذي يتمتع بشعبية بسبب عمره وتاريخه ومظهره، بانه اختار وسيلة الاقامة هذه لانه يحب العيش في الهواء الطلق، والنوم في المركب، لان هذه الظروف تشبه ظروف عائلته، وهو يفضلها على النوم في غرفة في فندق لا يحب معالمها وشروطها.

النواب البريطانيون بعد انتهاء ولا يتهم النيابة التي تمتد خمس سنوات، اذا اختاروا الابتعاد عن النيابة، او اذا هم خسروا الانتخابات، يتقاضون مبلغ 33 الف جنيه، أي ما يساوي تقريبًا 50 الف دولار، لكي يتكيفوا مع ظروف حياتهم، واذا كانوا تولّوا النيابة دورتين اي عشر سنين، يبلغ التعويض 50 الف جنيه أي 70 الف دولار.

في المقابل، نوابنا اذا انتخبوا لدورتين، او استمروا نوابًا دورتين، كما هو الحال اليوم، وخسروا نيابتهم في ما بعد، يستحقون تعويضًا مدى الحياة على مستوى 75 في المئة من معاشهم الاخير، ولهم الحق في شراء سيارة من دون رسوم جمركية كل سنتين، وتالياً بيعها بربح قبل الحصول على سيارة ثانية من بعد ما داموا نوابا.

معاش النائب عشرة ملايين وخمسمئة الف ليرة لبنانية، ويشمل التعويضات لتكليف سكرتيرة والطوابع وما شاكل ذلك. وهذا المبلغ تلحق به ضريبة دخل بسيطة لان غالبيته تعتبر تعويضات لنفقات يتحملها النواب، فيكون معاش النائب يوازي على الاقل لـ6500 دولار شهرياً، أو 78 الف دولار سنويًا، وهذا المبلغ يفوق ما يتقاضاه النواب البريطانيون.

كلفة المعيشة في بريطانيا تتجاوز بكثير كلفة المعيشة في لبنان، وغالبية النواب البريطانيين يعيشون حياة معتدلة، سواء بالنسبة الى منازلهم، أو سياراتهم، أو مدارس أولادهم الخ.

النيابة في لبنان تقتضي، نظراً الى النفسية السائدة، مقداراً من البهورة في الظهور والتعامل مع الناخبين، ولو احتسبنا، حين يكون هنالك انتخاب بقانون متطور كلفة النجاح في الانتخابات، نرى ان النيابة لا يمكن ان تكون كافية على صعيد حاجات عائلة من خمسة أشخاص، زوج وزوجة وثلاثة أولاد، وعليه فان السؤال لماذا التعلق بالنيابة الى الحد الذي نشهده؟

معلوم ان المجلس لا يشرع القوانين التي تخدم الاقتصاد، بل يهمل واجباته فنخسر قروضاً ميسرة لتطوير منشآت الكهرباء والمياه، ويختصر البنك الدولي النظرة الى وضعنا بقوله إن لبنان لا يمارس الاصول الديموقراطية في الحياة السياسية، بل ان الزبائنية والفساد هما السمتان البازرتان واللتان لا تعدان بالخير في القريب العاجل. ونزيد بالقول ان هاتين السمتين لا تعد بالخير طالما لم يتم التوصل الى قانون انتخاب تمثيلي أفضل، كما ان تعديل الدستور لاسقاط النيابة بعد ثلاث جلسات لا يحضرها نائب دون عذر شرعي أمر لن يتحقق حتى لو توافرت تواقيع عشرة نواب للبحث في تعديل الدستور.

اسوأ ما نعانيه سواد الافق ضمن النظام السياسي الذي يلفنا ويتآكل طموحاتنا الى عيش أفضل.