&محمد آل الشيخ

زيارة أوباما للرياض تعني الكثير؛ ولا يمكن قراءتها قراءة موضوعية دون أن نُعرّج على نقطتين هامتين شكّلتا منعطفين هامين (للبرود) في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وهي أولاً اتفاقية الخمسة زائد واحد، التي عملت إدارة الرئيس أوباما على إبرامها مع إيران بشأن المفاعلات النووية.. النقطة الثانية المقابلة الصحفية التي أجرتها إحدى المجلات الأمريكية معه، وكان لقاءً عاصفاً هجومياً هجائياً، لم يسلم من قذائفه أحد من حلفاء أمريكا التقليديين؛ كدول الاتحاد الأوربي، والرئيس التركي أردوغان، وكذلك دول الخليج، في حين استثنى إيران من حملة الهجاء غير المبرر؛ ويبدو أن أوباما من خلال دوائر صناعة القرار الأمريكية، قد تلقى لوماً واسعاً، وأقنعوه بالمبادرة إلى الاعتذار الضمني من هذه التصريحات غير المبررة، والتي تصطدم بالمصالح الأمريكية، ولا يستفيد منها إلا المناؤون لثوابت السياسات الإستراتيجية الأمريكية. فجاءت هذه الزيارة.

زيارة أوباما للرياض حسب ما ظهر عنها من تصريحات ومعلومات ضيّقت الفجوة بين أمريكا ودول الخليج إلى حد ما، وعادت لتؤكد ثبات التوجهات الأمريكية الخليجية في منطقة الشرق الأوسط، التي كان من المفروض أن يتنبه إلى حساسية وضعها الإقليمي، وبالذات أن ثمة شكوك واسعة لدى دول المنطقة العربية تدور حول توقيع أمريكا مع إيران هذه الاتفاقية النووية، الأمر الذي قد يمس بأمن المنطقة واستقرارها، نظراً لدعم إيران المعروف والمتكرر للإرهاب ومنظماته، وهذا ما جرى تأكيده من قبل القضاء الأمريكي نفسه، فمهما حاول الرئيس أوباما أن يهمش ويتغاضى عن دعم إيران للإرهاب، فتاريخ إيران في العصر الحاضر ينقض ما يقول؛ إضافة إلى صعوبة عزل مبادرة إيران إلى العودة لتجارب صواريخها البالستية بعيد التوقيع على (اتفاقية لوزان) إلا أن إيران دولة بالفعل مارقة، لا يمكن أن تضمن رضوخها للوفاء بالتزاماتها للمجتمع الدولي، فهي توقع اليوم، ثم تثير من الغد قضية أخرى لتوتير الأجواء في المنطقة؛ وأنا على يقين تام أن (إيران الكهنوتية) لو تركت الشغب والعنتريات، وانصرفت إلى التنمية الداخلية، فلن يبقى نظامها القائم؛ لأن شرعيته تقوم على عداء الغرب، وهناك أجيال تمت تنشئتهم على هذا العداء، وتكريسه كعقيدة، وأن تتراجع عن (شيطنة) الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، يعني أن تتخلص أولاً من أغلب كوادر الحرس الثوري المؤدلجين على هذه العقيدة، وغني عن القول إن القوة الأولى لحماية النظام هم الحرس الثوري، لذلك فالرهان على (عقلنة) الإيرانيين، مثل أن تراهن على ذئب مفترس ليكون كلباً يحرس قطيعك.

وهناك نقطة جوهرية دفعت الرئيس أوباما إلى الاجتماع بالمملكة ودول الخليج، في عاصمة القرار العربي، الرياض، أنها جاءت بعد مبادرة حرب اليمن، الذي تحالف فيه أغلب العرب مع دول الخليج بقيادة المملكة، في (عاصفة الحزم)، والعالم دائماً وأبداً لا يحترم إلا القوي المقدام، الذي يثبت أنه أهلٌ لتحمل المسؤولية ومواجهة مستجدات الظروف، فقد عرف الأمريكيون أن القوي المقدام كثيرون من يطلبوا وده، ابتداءً من الشرق، والصين تحديداً، وحتى الأوروبيين؛ وبقية دول العالم، وليس لدي أدنى شك أن الزيارة الهامة، وذات المؤشرات والإرهاصات، التي قام بها الرئيس الصيني إلى المنطقة مؤخراً، وعلى رأسها المملكة، وما قوبل به هنا من حفاوة استثنائية، حمّلت أوباما مسؤولية (برود) العلاقات الخليجية الأمريكية، التي استغلها الصينيون في تعميق علاقاتهم بهذه المنطقة، فظهر وكأنه فيما يُسمى (عقيدة أوباما) بمظهر من يضحي بإنجازات وتاريخ الرؤساء الأمريكيين السابقين، من إيزنهاور وحتى جورج بوش الابن؛ خاصة وأن منطقة الخليج اقتصادياً، وكذلك المملكة بثقلها الديني، يُعتبر التفريط بعلاقة أمريكا معها، تفريطا بالمصالح الإستراتيجية الأمريكية الحيوية.

وعلى أية حال، فلا بد من القول إن العلاقات السعودية والخليجية مع أمريكا لم تشهد في تاريخها تدهوراً مثلما حصل في عهد أوباما خاصة في فترته الرئاسية الثانية؛ فقد كانت تدخلاته السياسية في المنطقة العربية كلها عاملاً رئيساً لما وصلت إليه من الفوضى والاضطرابات التي عمت المنطقة، ابتداءً من تسليمه العراق بعد الانسحاب منها إلى العميل الإيراني «نوري المالكي»، الأمر الذي أنتجت سياساته (داعش)، مروراً بمناصرته لجماعة الإخوان وخذلانه للرئيس مبارك، ونهاية بسياسته في الركض وراء إيران لتوقيع اتفاق معها بأي ثمن رغم أن القضاء الأمريكي والمتمثل في المحكمة (العليا) الأمريكية، صادقت على إدانة (إيران بدعم الإرهاب). ولا أظن أن ثمة ما يستطيع فعله أمام هذه الأخطاء المتراكمة إلا أن (يقر) بخطئه، ويحاول أن يتداركه، ويشد رحاله إلى الرياض ليعتذر، ليس إلا.

إلى اللقاء