عبدالرحمن الطريري

زار أوباما الرياض كنسخة أخرى من لقاء كامب ديفيد، في زيارته الرابعة للرياض كأكثر رئيس أمريكي يزور المملكة خلال رئاسته، وبمجرد أن أعلن البيت الأبيض عن الزيارة ربما صدر استنكار لدى البعض، يربط بين ما قاله أوباما معبرا عن عقيدته في لقائه بمجلة أتلانتك، ومع هذا المملكة تستضيف الرئيس الأمريكي التي لا يعتبرها في حواره كحليف موثوق.

الراسخ تاريخيا في علاقات المملكة، أنها لا ترد على الإهانات بل وتعفو أحيانا لكنها لا تنسى أسماء أعدائها أبدا، ولو عدنا للتاريخ لوجدنا الكثير من الأمثلة من شخصيات عربية وغير عربية، أساءت ثم اعتذرت أو عادت لأن المملكة ترد بالأفعال

لا الأقوال، وهذه من صفات الحكم الرشيد.

العتب السعودي لم يكن فقط بالاستقبال البارد، وغياب الملك عن استقبال الرئيس أوباما، رغم وجود الملك في المطار لاستقبال قادة دول مجلس التعاون، بل سبق ذلك غياب الملك عن قمة كامب ديفيد العام الماضي، وهو ما أحرج أوباما داخليا بعد أن أعلن البيت الأبيض حضور الملك.

لكن العتب في نهاية المطاف نتيجة، والمهم أفق العلاقة بين البلدين بكل الملفات المتشابكة التي سببت هذا التباين، وأدت إلى هذا الفتور في العلاقة، وبما أن الصحف والمواقع الأمريكية تشبه علاقات البلدان بالزواج، فقد وصف موقع سي إن إن العلاقة بالزواج غير السعيد، وقد استبق الزيارة بروس ريدل مدير مشروع الاستخبارات في معهد بروكينغز ومسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية، بالقول: على الرغم من كل هذه الاختلافات، لن يتم الطلاق المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، لأننا ببساطة بحاجة إلى بعضنا البعض.

وهذا يعني إدراك البلدين للحاجة لبعضهم البعض، إلا أن العلاقة تغيرت منذ الحادي عشر من سبتمر، ولا يمكن أن تعود للأيام الخوالي، وهو ما عبر عنه الأمير تركي الفيصل أيضا، وهذا أمر ليس سيئا بالضرورة، فالولايات المتحدة لها خطتها بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وترى مصالحها الحقيقة في شرق آسيا وأوقيانيا، كما أنها لا ترغب بالالتزام بأمن الخليج على الشكل الذي مثله مبدأ إيزينهاور.

لكن ما تغير هو أن المملكة ودول الخليج وخلال الفترة السابقة، بينت أن لها إستراتيجيتها المستقبلية أيضا، والتي بدأت بالفعل منذ عاصفة الحزم، في إثبات أن دول الخليج بدأت في أخذ زمام المبادرة وحماية أمنها بنفسها، كما أن المملكة بينت وخلال سنوات حكم أوباما أن لها رؤيتها حول «الحلفاء» في المستقبل، حيث توجهت شرقا ووثقت علاقات مع الهند والصين، وتوجهت نحو روسيا وأفريقيا واستضافت القمة العربية اللاتينية.

بل تجاوزت المملكة وعبر لقاءات عدة لسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع مجلة بلومبيرغ، ما كان معتادا منها كاقتصاد ريعي يعيش على النفط، وبالتالي تخضع لتقلب أسعار النفط، ومن الواضح أنه في المدى القريب سيتضح مدى تجاوز المملكة لدول مثل روسيا وفنزويلا تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط، إلى اقتصاد لديه استثمارات كبيرة ومنوعة، مما يعني أنها ستبقى دولة مهمة في الاقتصاد العالمي وهي إحدى دول الاقتصادات العشرين الكبرى.

وهذا ما جعل الاجتماع بين الملك سلمان والرئيس أوباما اجتماعا عمليا، ناقش فيه كل طرف رؤيته حول ملفات المملكة بوضوح، فقد عبر مسؤولون أمريكيون عدة ممن حضروا اللقاء، أن النقاش شمل ملفات سورية والعراق واليمن والتصدي للإرهاب، وإيران كانت حاضرة في النقاش وتدخلاتها في المنطقة كانت أحد ملفات النقاش أيضا.

وإذا استعرت من مصطلحات الزواج، فأوباما في عدة الأرملة مع المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، حيث سينهي فترته الثانية والأخيرة خلال أشهر، لكن المملكة ودول الخليج خلال اجتماعهم بأوباما، كانوا يضعون رؤيتهم لمستقبل العلاقة التي يؤسس لها الخليجيون مع الولايات المتحدة في المستقبل، أيا كان ساكن البيت الأبيض القادم.