&فواز العلمي

حتى لا نكون بعد اليوم رهينة لأسعار النفط علينا تنفيذ مشروع التحول الوطني، فالدول الفقيرة بالنفط، مثل ماليزيا وكوريا وسنغافورة، استغلت مشاريع التحول الوطني لتتفوق على الدول النفطية بسرعة نمو اقتصاداتها

جاء إعلان الأمير محمد بن سلمان عن رؤية برنامج التحول الوطني السعودي تأكيداً لحرص المملكة على تخفيض اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وتحويل مزاياها النسبية المؤقتة إلى مزايا تنافسية مستدامة، وذلك لتحقيق رفاهية مواطنيها واستمرارية مشاريعها التنموية، من خلال تنفيذ الخطوات الرئيسية التالية:

أولاً: توليد الوظائف لنحو 1.3 مليون مواطن سعودي، وزيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 70% خلال 5 سنوات، وتخصيص 18 قطاعا حكوميا، تشمل قطاعات التعليم والنقل والرعاية الصحية والتعدين والبريد والموانئ والخطوط والمستشفيات والأندية الرياضية، بهدف رفع كفاءة أدائها وتوليد وتوطين وظائفها وزيادة قيمتها المضافة. وسيواكب هذه الخطوة إنشاء منظومة من المناطق الحرة بالقرب من المطارات لجذب الشركات الأجنبية وتوفير قواعد جذابة للاستثمار. ولتحقيق نجاح هذه الأهداف ستمضي المملكة قدماً في تطبيق الإصلاحات الهيكلية المقترحة لرفع نسبة توليد الوظائف بمعدل 3 أضعاف مستوياتها الحالية من أجل مواجهة التزايد المتوقع في حجم سوق العمالة الذي سيفوق 10 ملايين بحلول عام 2030. وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض نسبة البطالة من 12% إلى 7%، وارتفاع نسبة المشاركة السعودية في القوى العاملة خلال السنوات القادمة من 41% إلى 60%، مع انخفاض نسبة الوظائف التي يشغلها الأجانب من 55% إلى 26%.

ثانياً: إصلاح دعم منتجات الطاقة، الذي ينذر بزيادة استهلاك النفط داخل المملكة إلى 50% من إنتاجها في عام 2030، ليستنزف 30% من الميزانية ويعادل 12% من إجمالي الناتج المحلي، فأصبح استهلاك الفرد الواحد من الطاقة بالمملكة الأعلى في العالم، ليعادل 200% من استهلاك الفرد في بريطانيا و160% في أميركا و130% في أستراليا، وبمعدل نمو سنوي يساوي 7%، وهو الأعلى في العالم مقارنة بمعدل 3% في الدول الصناعية و1% في الدول النامية.

ثالثاً: تنمية صناعاتنا الوطنية، لترتفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20% خلال السنوات الخمس القادمة، وتزيد قيمتها المضافة المحلية بنسبة 300%، وتتضاعف حصة صادراتها غير النفطية من مستواها الحالي 18% إلى حوالي 35%، مع مضاعفة الصادرات التقنية بنسبة 100%، لكي& تتبوأ المملكة مرتبتها بين أفضل 30 دولة من الدول الصناعية في العالم بحلول عام 2020.

رابعاً: تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة بحلول عام 2020 عبر تخصيص 5% من شركة أرامكو لتحقيق عوائد صافية يتم ضخها في صندوق الاستثمارات العامة ليرتفع حجمه إلى 2 تريلون دولار، ويلعب دوراً أكبر في إدارة الثروة السيادية للمملكة واستثماراتها العالمية، التي من المتوقع أن تحقق عوائد سنوية بحدود 130 مليار دولار.&

خامساً: تحقيق إيراد ثابت ومنتظم للدولة من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة تصل إلى 5% بحلول عام 2018، وزيادة رسوم العمالة الأجنبية. ونظراً لأنها لا تُجبى مباشرة من المستهلك، فإن هذه الضريبة تستوفى بدون ازدواجية من المؤسسات التي تبيع المنتجات والخدمات في كل مرحلة من مراحل التصنيع والتوزيع والاستهلاك. كما أنها ضريبة حيادية لا تؤثر سلباً على هيكلة الأسعار ولا تمس بالقواعد التنافسية التي تراعي الاقتصاد المحلي، مما يساعد على عدم تراكم عبئها الضريبي. وحيث إنها تستوفى بنسب متفاوتة على جميع المواطنين والوافدين بعدالة ومرونة ودون تمييز، فإن هذه الضريبة تتميز بإمكانية فرضها بنسب تنازلية على ذوي الدخل المحدود، مع إعفاء المنتجات والخدمات الضرورية مثل الغذاء والدواء والأنشطة الطبية، ويتيح للدولة التدخل بحسم قيمتها أو تخفيضها على المستثمرين لتحفيز الاستثمار وجذب رؤوس أموالهم وتشجيع صادراتهم.

المملكة من أقل دول العالم فرضاً للضرائب، ففي تقرير البنك الدولي عن الأنظمة الضريبية المفروضة في 185 دولة حول العالم، جاءت السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الإمارات وقطر، بينما حلت البحرين في المرتبة السابعة، وعُمان في المركز العاشر، ثم الكويت في المرتبة الحادية عشرة.

خامساً: دعم وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تفوق حصتها 46% من الناتج العالمي الإجمالي، وتتجاوز قيمتها المضافة 80% من إجمالي القيمة المضافة العالمية، ويفوق عدد العاملين فيها 76% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص حول العالم. هذه المنشآت حققت العديد من المنجزات على صعيد العالم، لترتفع نسبة مساهمتها إلى 89% في أميركا وأوروبا و95% في كوريا الجنوبية و97% في اليابان، وزادت قدرة استيعابها للعمالة الوطنية بنسبة 55% من إجمالي العاملين في أميركا و68% في أوروبا و80% في اليابان و90% في كوريا الجنوبية و34% في الدول الخليجية. لذا تربعت هذه المنشآت على قائمة أكثر القطاعات مساهمةً في الناتج المحلي، لتصل إلى 75% في كوريا الجنوبية و65% في اليابان وأوروبا وأميركا و48% في أستراليا وكندا، بينما لا تزيد هذه المساهمة عن 33% في الدول الخليجية.&

ومن إجمالي الصادرات الدولية، بلغت مساهمة المؤسسات الصغيرة 72% في أميركا و63% في أوروبا و60% في الصين و56% في تايوان و70% في هونج كونج و44% في كوريا الجنوبية، بينما لا تزيد هذه النسبة عن 4% في الدول الخليجية.

وحتى لا نكون بعد اليوم رهينةً لأسعار النفط علينا تنفيذ مشروع التحول الوطني، فالدول الفقيرة بالنفط، مثل ماليزيا وكوريا وتايلند وسنغافورة، استغلت مشاريع التحول الوطني لتتفوق على الدول النفطية بسرعة نمو اقتصاداتها، وحققت بمنجزاتها ما عجزت عن تحقيقه الدول الغنية بمواردها النفطية.