&&هدى الحسيني&&

في التاريخ الحديث، إذا نظرت الولايات المتحدة إلى المنطقة، ترى أن إيران لا تزال غارقة في الثورة، العراق وسوريا أصبحا ساحة صراع لقوى إقليمية ودولية، مصر تتخبط في أزمة اقتصادية متواصلة، ثم أنها هي والأردن وإسرائيل تكلف أميركا سنويًا مساعدات مالية وعسكرية. وحدها المملكة العربية السعودية ثابتة، غنية، منتجة للنفط تقرر حجم الضخ والأسعار في العالم كله، ثم هي الحليف والصديق للولايات المتحدة. لكن في السنين الأخيرة تغيرت الأمور مع مجيء الرئيس باراك أوباما، وتغيرت من الناحية الأخرى السعودية مع مجيء قيادة جديدة وجريئة، كانت ولا تزال مفاجأة للجميع، وعلى الرغم من كل ذلك، تظل هناك مصالح استراتيجية تدفع الولايات المتحدة للإبقاء على علاقات وثيقة مع السعودية، وبشكل عام فإن الدولتين متفقتان على الأهداف المشتركة، إنما الاختلاف يكمن حول الطريقة لتحقيق هذه الأهداف.

إن زيارة الرئيس أوباما إلى السعودية الأسبوع الماضي واجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي إنما كانت محاولة لنزع فتيل التوتر بشكل متزايد مع الحلفاء. لم يخفِ السعوديون عدم رضاهم عن سياسة أميركا في المنطقة.

نقاط التوتر كثيرة؛ هناك سوريا وترى السعودية أن إدارة أوباما بدت ضعيفة، غير حاسمة، كما لم يلتزم أوباما بـ«الخطوط الحمراء» التي وضعها للنظام. وترد الإدارة بقولها إن السعودية لم تبذل أقصى طاقاتها في محاربة «داعش»، ثم إن الرئيس التزم بمبادئه. ثم جاء الاتفاق النووي الإيراني، ورأت السعودية أن الإدارة الأميركية تميل كثيرًا لجهة إيران إلى درجة أن أوباما قال في مجلة «أتلانتيك»: «إن على السعودية أن تتشارك الجوار مع إيران. هذا ما أثار حفيظة المسؤولين السعوديين».

تعابير أوباما اللاذعة في «أتلانتيك»، أجفلت حتى بعض المسؤولين الرئيسيين في إدارته، وحاولوا التقليل من تأثيرها على أرض الواقع. رأوا أن الرئيس يحاول «اختبار إيران»، كما قال أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية، مضيفًا أن ما تتطلع إليه الإدارة «هو إيجاد تنسيق في النهج للحد من التوترات».

بالنسبة إلى السعوديين، فإن أي تحرك تجاه إيران من ناحية أميركا إنما يأتي على حسابهم. ذلك أن اليد الإيرانية موجودة في اليمن وكذلك في سوريا، ثم إن «حزب الله» الحليف الإيراني يدعم بشكل مستميت نظام الأسد. أيضًا في مواجهة المتطرفين من السنّة مثل «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» هذه المجموعات المعادية للسعودية وللولايات المتحدة، فإن السعوديين والإدارة الأميركية غير متفقين على كيفية مواجهتها.

ففي مواجهة «داعش» في العراق تعمل أميركا عبر الحكومة في بغداد. ورغم أن حيدر عبادي رئيس الوزراء يعتبر نسخة أفضل من نوري المالكي، وبالتالي بنظر واشنطن يستحق زيادة الدعم لمساعدته، فإن السعوديين يرون إيران في العراق وعبر دعم حكومة عبادي للحشد الشعبي الشيعي حتى على حساب الجيش العراقي. وفي المقابل، ظلت واشنطن متشددة حول نوع الأسلحة التي تسمح لدول الخليج بتزويدها للمعارضة السورية، خوفًا من وقوعها في نهاية المطاف في أيدي المتطرفين الإسلاميين.

أيضًا ازداد الوضع في سوريا تعقيدًا مع التدخل الروسي الذي دفع إلى ترجيح كفة الميزان لصالح نظام الأسد. أدى هذا بالمسؤولين العرب وأيضًا بالدبلوماسيين الأوروبيين إلى الاستخلاص بأن الولايات المتحدة مستعدة للتراجع عن «آخر خطوطها الحمراء» في سوريا. والخشية هي، طالما أن حرب الولايات المتحدة هي مع «داعش» وليست ضد نظام الأسد، فإنها بالتالي ستسمح للأسد بالبقاء في السلطة عندما تبدأ هزيمة المتطرفين.

مسؤولون أميركيون كبار «أكدوا» أن القضية ليست هكذا. وقال مسؤول في وزارة الخارجية: «إن خطنا الأحمر في سوريا ما زال قائمًا، وهو تغيير النظام»، مصرًا على أن بلاده لم تنحرف عن جدولها الزمني لرحيل الأسد، لكنه اعترف: «لا يزال هناك 3 أشهر للمفاوضات وأقل من سنة لتطبيق ما يتفق حوله».

وفي حين تبدو هذه الجولة من المفاوضات في جنيف حول سوريا وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، لا يزال المسؤولون الأميركيون متفائلين حول الوضع على الأرض في سوريا سواء من حيث المعركة ضد «داعش»، أو إيصال المساعدات الإنسانية. ولا يزالون يعتقدون بإمكانية التوصل إلى اتفاق. ووفقًا لمساعدي جون كيري وزير الخارجية الأميركي، فإنه لم يغير رأيه بأن موسكو غير متمسكة بالأسد. وكما قال أحد هؤلاء المساعدين: «يقول كيري إن الرئيس فلاديمير بوتين يعرف جيدًا أن على الأسد الرحيل»، ويضيف هذا المصدر أن الطائفة العلوية أرسلت إشارات عن استعدادها التخلي «عن زعيمها»، شرط أن تحفظ لها مكانًا في سوريا ما بعد الأسد، آمنًا ومضمونًا.

ويدافع المسؤولون الأميركيون عن مواقفهم ويقولون إن اهتمامهم بقضايا الشرق الأوسط في ازدياد وعبر جهود حثيثة للتأثير على الأحداث بشكل إيجابي في المنطقة، يشيرون إلى «تثبيت» حكومة جديدة في ليبيا.

وإن بلادهم ساعدت وبشكل فعلي السعودية ودول الخليج في اليمن. ثم «إذا كانت هناك حاجة لأدلة أخرى بأن الرئيس أوباما مقتنع بأنه ينتهج الاستراتيجية الصحيحة في الشرق الأوسط»، كما يقول مصدر أميركي رفيع، فإن هذا يظهر من خلال اهتمامه المتواصل في مجلس الأمن لتوفير «إطار عمل» جديد لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ويضيف المصدر، رغم أن وقته في البيت الأبيض يقصر، فإن الرئيس يفكر في دعم قرار من شأنه في الواقع تحديد شروط تسوية من أجل ضمان استمرار بقاء حل الدولتين. «إن مثل هذا التوجه سيكون بمثابة (اللعنة) لحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل». ولأنه سيكون عرضة لتقييد «حق العودة» للفلسطينيين إلى داخل حدود الأراضي المعترف بها دوليًا لإسرائيل، ناهيك بتأكيده «يهودية الدولة الإسرائيلية»، فسوف يكون غير مقبول من قبل الفلسطينيين! ومع ذلك، اعتمد كبار مسؤولي إدارة أوباما ما يسمونه معادلة: «لننتظر وسنرى».. القدامى في وزارة الخارجية الأميركية، يعطون هذه الفرصة نسبة 50 – 50 من النجاح، وأشار أحدهم، إلى سوابق كثيرة لإدارات أميركية وهي على وشك مغادرة السلطة، بأن تتلقى النيران السياسية من جراء دعمها لهذا النوع من القرارات، وذلك في محاولة منها لتخفيف العبء عن الإدارة المقبلة.

وعودة إلى زيارة أوباما الأخيرة إلى السعودية، فإن العلاقة بين الدولتين تبقى أكبر من الرجل الذي في طريقه إلى المغادرة.

لذلك، إذا نظرنا إلى تلك العلاقة فيجب أن ننظر إليها ببعد أوسع وعبر العقود. صحيح أن هناك «تجاعيد» في العلاقة، لكن هناك تعاطفًا في الكونغرس مع السعودية أكثر مما هو تجاه إيران، رغم ضجة الأوراق الأخيرة، وإذا كان على المشرعين الأميركيين أن يختاروا فسوف يختارون من كان صديقًا لهم منذ سبعين عامًا.

بعدما أنهى أوباما زيارته للسعودية قال إنه لا يلعب على الخلافات، وأصر على أنها مضخمة وتكتيكية وتركز على إيران.

لكن ليس هناك سوى إيران كسبب لكل الخلافات. إذا نظرنا إلى كل نقاط الخلاف نرى أنها كلها مرتبطة بطموحات إيران، ومع ذلك يصر الرئيس الأميركي على ألا يرى أن نصف الكوب أفرغته هذه الطموحات. لديه قناعاته لكنها لا تنطبق على الواقع ولا يستطيع بها أن يغير هذا الواقع. وهنا تختلط العجرفة بالعناد.

تبقى بين السعودية والولايات المتحدة قواسم مشتركة مهمة، لا سيما المسألة الأمنية، فللأميركيين قواعد عسكرية ضخمة في الخليج العربي، ورغم أن أميركا لم تعد تعتمد على النفط الخليجي كما في الماضي، فإن تدفق النفط مهم للاقتصاد العالمي، وإذا ما تأثر هذا، فإن الاقتصاد الأميركي يتأثر، من هنا، فإن العلاقات بين الدولتين ما زالت تقف على أرض صلبة.

&

&

&