عثمان الخويطر&

ما أجمل أن نعترف صراحة ودون مواربة بأننا مدمنو بترول، وهو فعلا واقع حالنا، الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- لخصها بكلمة واحدة ومعبرة لم يسبقه على قولها صراحة أحد، "إدمان"، هذه حقيقة مرة، فنحن فعلا مدمنون على البترول منذ عشرات السنين. ومثل ما تفضل، وذكر في حديثه القيم والممتع، أنه إدمان أضر بنا وباقتصادنا وبعاداتنا وثقافتنا ونمط حياتنا حتى مستقبلنا. ويا ليته كان إدمانا على ماء البحر الواسع أو الطاقة الشمسية المستديمة دوام الليل والنهار. لكنه إدمان على مورد يقترب من نهايته كل يوم تشرق فيه الشمس. والتحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم، هو كيف نستطيع تخفيف الاعتماد عليه وفك عقدة الإدمان حتى نتمكن من إيجاد حياة كريمة ومستديمة لنا ولأجيالنا دون البترول؟ كان حديثا شاملا ذلك الذي أدلى به لقناة "العربية" الفضائية. تطرق فيه إلى جملة مما يتعلق بمستقبل التنمية الاقتصادية للمملكة خلال المستقبل المنظور وفي ظل التضاؤل المتوقع لدور البترول في حياتنا. لم يتحدث ولي ولي العهد عن التفاصيل خلال المقابلة نظرا لمحدودية الوقت المتاح على قناة «العربية». والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، كيف ستكون سياستنا الإنتاجية عندما يكون لدينا دخل محترم من استثماراتنا الكبيرة؟ هل سنخفض كمية الإنتاج اختياريا من أجل إطالة عمر حقول البترول ليظل مساندا للدخل العام، بصرف النظر عن عوامل السوق البترولية؟ وهو ما نتمنى تفعيله، وهو أيضا يعني كسر احتكار البترول لدخلنا وحياتنا.&

الأمير محمد بن سلمان لم يذكر صراحة كيف سنؤهل شبابنا ليكونوا عاملين نافعين ومنتفعين، ضمن هذه الخطة الجريئة لتحويل اقتصادنا من ريعي يعتمد على مصدر ناضب إلى اقتصاد تنموي مستديم، وهو أمر يتعلق بمستقبلهم وحياتهم على أرض هذه الصحراء القاحلة. فلا بد أن نغير بوصلة الاتجاهات الشبابية السائدة اليوم من البحث عن أي عمل يدر دخلا متواضعا إلى تأهيل وتدريب شباب المجتمع للعمل في المرافق الصناعية والخدمية المنتجة. لأن الهدف هو إضافة دخل مستقل عن دخل البترول. ومهما كلف ذلك فمردوده جيد لأن دخل المواطن يعود إلى الاقتصاد المحلي، عكس الوافد الذي يرحل دخله ومكتسباته إلى بلاده، فيكون وجوده عالة على اقتصادنا الوطني، ولن تكون لدينا تنمية حقيقية قبل أن نجهز أبناءنا للعمل المثمر وهو ما قد يستغرق سنوات طويلة. لكنه الطريق الأمثل لتنويع وتنمية الدخل العام. أما دونه فلن ننجح ولو نجحنا فلن يكون نجاحا دائما ومستديما.

&وقد يبدو من ظاهر ما ذكره الأمير الشاب المتطلع إلى مستقبل زاهر أن الهدف هو فقط جمع مبالغ كبيرة من المال وتوظيفها في صناديق استثمارية تدر علينا دخلا مناسبا. وهذا يعني احتمال استثمار أموالنا خارج البلاد لو كان الهدف هو فقط الحصول على مردود اقتصادي نتسلمه ثم نستهلكه. نشك في أن هذا هو القصد من برامج التنمية الاقتصادية التي نحن بصددها. فأين دور المواطن فيها؟ إذا الأفضل الاستثمار في مشاريع تنموية داخل بلادنا تنتج سلعا وخدمات ذات قيمة مضافة. ويكون العمل فيها محصورا في المؤهل من شبابنا. ولا بد من تشجيع وتنمية مواهب وقدرات رجال الأعمال من الشباب من أجل توسيع قاعدة القطاع الخاص الذي سترتكز عليه عوامل نجاح التنمية المطلوبة.&

فلو أخذنا مجال الإنشاءات، كمثال الذي يعمل فيه بضعة ملايين من العمالة الأجنبية ليس بينهم مواطن واحد، لتبين لنا صعوبة إدماج المواطن في الأعمال المنتجة دون إحداث تغيير في نمط الحياة. والأسباب متنوعة. منها سهولة استقدام العمالة الأجنبية الرخيصة التي هي، في الغالب، غير مؤهلة لا فنيا ولا مهنيا، وضعف مبدأ المواطنة لدى رجال الأعمال، وتدني مستوى الرواتب بالنسبة للمواطن، وانعدام برامج تدريب وتأهيل الشباب، وفوضى تنظيم ساعات العمل، وعدم وجود نظام سليم يحفظ لكل ذي حق حقه صاحب العمل والمواطن. نحن اعتمدنا على استقدام عمالة أجنبية رخيصة، على حساب مستقبل أبنائنا، الذين أصبحوا بحكم الحاجة يميلون إلى أداء الأعمال الناعمة التي لا تضيف كثيرا إلى الاقتصاد الوطني. وخطورة ذلك تكمن في مصير العامل الوطني عندما ينضب دخل البترول وهو لا يزال غير مؤهل لأي عمل منتج.

&نأتي إلى زبدة الموضوع، من الذي سيقوم بهذه المهمة الصعبة والمسؤولية الضخمة، تخطيطا وتنسيقا وتنفيذا ومتابعة. خلال هذه الفترة الزمنية المحدودة؟ والأصعب هو تهيئة المجتمع والمسؤولين لتقبل التغيير إلى الأفضل. ولا شك أننا في حاجة اليوم إلى جيش من المختصين الوطنيين وثلل من الشباب الطموح المتحمس، تحت قيادة متحفزة ومتنورة. والذي لا يستطيع السير مع سباق الزمن أو يصبح عثرة في الطريق يستبدل بمن هو أقدر منه. فلا بد أن نحدد زمن ومدة أداء الواجبات إذا كان لنا أن نكمل تلك الخطة الطموحة، أو خريطة الطريق، كما رسمها الأمير محمد بن سلمان -سدد الله خطاه.