سعيد بن على العضاضي&

هذا هو عنوان التقرير الذي نشرته صحيفة عكاظ في عددها يوم الجمعة الماضي، الذي بين هيمنة الجامعات الأمريكية على المراتب المتقدمة في تصنيف أفضل جامعات العالم 2016، الذي أعلنه الملحق التعليمي الخاص بصحيفة "التايمز" البريطانية. كما دخلت 17 جامعة آسيوية ضمن أفضل 100 جامعة، ذهبت الصدارة لجامعة طوكيو (12)، وجامعة تسينجهوا الصينية (18)، وجامعة بكين (21)، وجامعة سنغافورة الوطنية (26). إلا أن التصنيف خلا من أي جامعة عربية أو سعودية.

&وقد علق الكثيرون حول هذه النتائج وكان التركيز منصبا على الجامعات السعودية دون غيرها من الجامعات الأخرى العربية. ولا ندري لماذا تـتهم الجامعات السعودية وحدها ويغض الطرف عن مثيلاتها في الوطن العربي. ولو أن النقد كان موضوعيا وبناء لهان علينا إلا أن أغلبية التعليقات خالية من الحيادية وبعيدة عن الواقعية، حيث نظر هؤلاء إلى الموضوع وقيم الأمر من مدى منفعته ومصلحته ومن نسبة الضرر الذي وقع عليه عند تعامله مع الجامعات السعودية. فالبعض يرى سبب الإخفاق عدم قبول مخرجات برنامج الابتعاث. فيرى هذا الفريق أن السبب يتمثل في عدم السماح لخريجي برنامج الابتعاث بالتدريس في الجامعات السعودية وطالما أن الجامعات تحد من مخرجات هذا البرنامج فهذا دليل على فشلها وأنها لن تتطور ولن تتقدم. ويرى هذا الفريق أيضا أن سبب الإخفاق يتمثل في نسبة الأجانب العالية في الجامعات السعودية، حيث ذكروا أن النسبة المقبولة للأجانب في الجامعات ينبغي ألا تزيد على 25 في المائة فقط. وأنا لا أدري من أين أتوا بهذه النسبة؟ وهل بنوا استنتاجهم هذا على بيانات وإحصائيات ومقارنات ودراسات أم أنها اجتهادات شخصية وتوقعات عبثية نتيجة أنهم يرون أحقيتهم في العمل في الجامعات لمجرد كونهم مواطنين ولديهم مؤهلات حصلوا عليها عندما لم يجدوا أمامهم سوى برنامج الابتعاث يحتضنهم من شبح البطالة.

&آخرون يرون العكس تماما ويرون السبب يتمثل في حكر القبول في الجامعات السعودية على المواطنين السعوديين وينظرون إلى الأمر على أنه نوع من العنصرية أي أن معايير قبول الطلاب في الجامعات السعودية تبنى على مبادئ عنصرية حسب ذكرهم. ويرون أحقيتهم في الاستفادة من التعليم العالي في بلادنا كطلاب وكأعضاء هيئة تدريس ونتيجة لرفضهم يرون أن جامعاتنا ضربت المقاييس والمتطلبات الأكاديمية عرض الحائط نتيجة. ونحن نريد أن نسأل سؤالا، لو أن الجامعات السعودية قبلت غير السعوديين كطلاب، فهل ستصبح ضمن الـ100 جامعة المرموقة حول العالم؟ نقول لهؤلاء، إن الأمر لا يقاس بهذا المقياس المضلل وهذه النظرة الضيقة وهذه الآراء السطحية. فالتعليم العام مشاع لكل المواطنين والمقيمين في أغلبية دول العالم، أما التعليم العالي فمقتصر على المواطنين وقد يدفع المواطن مبلغا رمزيا نتيجة تكاليفه الباهظة، بينما الطالب الأجنبي يتحمل كامل التكلفة وقد يمنع من القبول والدراسة في بعض التخصصات. ومن الدول التي تتبع هذه السياسة الولايات المتحدة وكثير من دول أوروبا الغربية.&

ولم تتبع الدول هذه السياسة إلا لقناعتها بأهمية مواطنيها. فالمواطنون في جميع الدول هم المساهمون الفعليون في النواحي التشغيلية في الدولة وعلى أكتافهم تعمل الطاقة التشغيلية للدولة وتنهض الأمة ويعتبرون هم الأصول الحقيقية الثابتة للدولة وكل ما سيحصلون عليه من دور وأجور وأصول تبقى في بلادهم، حيث تدور وتتنقل من مكان لآخر داخل البلد الواحد. كما أن المواطن الذي يحمل جنسية بلده يعكس تطورها وحضارتها وهو سفيرها الحقيقي أينما حل وأينما ارتحل. كما أن عليه واجبات وحقوقا وطنية باهظة لا يتحملها غيره، التي تظهر وقت الأزمات الاقتصادية والحروب المدمرة والكوارث الطبيعية. فقد يضحي بالنفس والنفيس من أجل وطنه، أفلا يستحق من دولته الاهتمام به وتنميته والمحافظة على صحته وتعليمه؟ لذا فقصر التعليم العالي على المواطنين السعوديين وعدم قبول غير السعوديين توجه عالمي وتفكير منطقي والجامعات السعودية ليست المؤسسات الأكاديمية الوحيدة التي تقدم خدماتها للمواطنين أولا. وبهذا لا يمكن البتة أن يكون هذا سبب فشل الجامعات السعودية في حصولها على تصنيفات دولية.&

آخرون يرون السبب في قلة طلاب الدراسات العليا والشروط التعجيزية التي تضعها الجامعات أمام الطلاب ومنها التفرغ للدراسة. وذكر هذا الفريق معاناة طلاب الدراسات العليا وأن أغلبيتهم موظفون ولا يتسنى لهم التفرغ بسبب رفض مراجعهم الوظيفية ولا يستطيع كل موظف أخذ إجازة دون راتب لأن معظمهم مطالب بمصروفات أسرية عالية. ونحن نقول ما علاقة الجامعات بكل هذا؟ فمهمة الجامعات تتمثل في تقديم برامج معتمدة للدراسات العليا وتوفير موارد بشرية مناسبة وإنشاء البنية التحتية من قاعات ومعامل ونحوها، أما تفرغ الموظف للدراسة من عدمه فليس للجامعات علاقة بذلك لا من قريب ولا من بعيد. فهل يريد هؤلاء من الجامعات أن تدخل في صراعات مع مؤسسات الدولة وقطاعات الأعمال من أجل السماح لموظفي الدولة والقطاع الخاص بمواصلة تعليمهم؟

&آخرون يرون سبب تدني مستوى الجامعات الفئوية وسوء تعامل أعضاء هيئة التدريس مع الطلاب وجنوح الطلاب في التعامل مع الأساتذة وطريقة تعيين القيادات ونظرة أعضاء هيئة التدريس إلى المؤهل على أنه جزء من الوجاهة الاجتماعية وغيرها.

&أرى أن كثيرا من هذه الأسباب غير منطقية وغير عقلانية وأغلبيتها مبنية على تجارب شخصية وفقا لمصلحة ذاتية ولكن ليس معنى ذلك أن جامعاتنا تعرف أهدافها وأن لديها رؤية واضحة ورسالة خالدة. أبدا هذا غير صحيح هناك إخفاقات كثيرة وانحرافات تنظيمية مشينة وصراعات عتيدة ولكن ليس من الحكمة أن نستغل التصنيفات لكي ننال من الجامعات من أجل أنها لم تحقق لنا ما نريد. لكي نصحح المسار علينا وضع القضية تحت المجهر وتحليلها بمنطقية والنظر بحيادية وعادلة عندها ستظهر الأسباب الحقيقية أمامنا وبذا يكون وصف العلاج واضحا.