&الطاهر الطويل

&&إذا كان البعض يصف العلاقات السياسية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية بـ»شهر العسل» المفتوح والممتد لعقود، لكون البلدين «حليفين استراتيجيين»، فإن ذلك الوصف لم يعد مناسباً اليوم، بعدما صارت إدارة واشنطن تعتمد سياسة «العين الحمراء» مع الرباط التي ما فتئت تردد بأنها أول بلد اعترف باستقلال أمريكا.

وتجسيداً لمقولة «لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة»، عمدت الإدارة الأمريكية إلى إبراز مواقف متشددة تجاه الرباط، خلال الآونة الأخيرة، كان أبرز تجسيد لها تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في المغرب، والتقرير الجديد لمجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء.

وانتظر المغرب مرور شهر على صدور تقرير الخارجية الأمريكية، ليردّ عليه عبر بلاغ شديد اللهجة صدر عن وزارة الداخلية أول من أمس، حيث وصف التقرير بأنه «افترائي، بشكل حقيقي، حيث انتقل من تقريب المعلومة إلى اختلاقها جملة وتفصيلاً، ومن التقييم المغلوط إلى الكذب الموصوف». وأكدت وزارة الداخلية أن «المغرب يجد نفسه مجبراً على اللجوء لكافة السبل الممكنة لفضح انزلاقات هذا التقرير»، الذي صدر في 13 نيسان/ أبريل المنصرم.

وكشف البلاغ أن وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد، عقد اجتماعات مع السفير الأمريكي في الرباط دوايت بوش، على خلفية الضرر الذي يحمله التقرير المذكور تجاه المغرب. كما عُقدتْ جلسات عمل تقنية بين الوزارات المغربية المختصة وأعضاء السفارة الأمريكية المعنيين، حيث تم استعراض كل الحالات الواردة في التقرير، وتم تقديم البراهين المعززة بالحجج على أنها لا ترتكز على أي أساس، فضلاً عن تقديم أدلة ملموسة لتأكيد الطابع المغلوط للمزاعم .

وذكر البلاغ أن الحكومة المغربية لم تفتأ تثير انتباه السلطات الأمريكية منذ سنوات عدة إلى افتقار تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان للدقة وإلى طابعه المنحاز والبعيد عن الحقائق، مبرزاً أن المصادر الحصرية المستخدمة غالبا ما كانت غير موثوقة بما يكفي ومعادية سياسياً، فضلاً عن كون المعلومات المتضمنة غير دقيقة، والتقييمات لا أساس لها من الصحة، والاستنتاجات كانت عامة ومتسرعة والإسقاطات جاءت مبالغاً فيها بناء على حالات معزولة.

والحالة هذه، يضيف البلاغ، «فإن المغرب الواثق من تطور نموذجه المجتمعي الذي تمت بلورته ويجري تفعيله من قبل المغاربة ومن أجلهم، والذي لا يقبل تلقي دروساً من أي كان ، لم يشعر قط بأي حرج من النقد البناء أو من المؤاخذة المعللة والموضوعية. ومع ذلك، فإن المغرب لا يمكن أن يقبل أن يتم اختلاق وقائع وفبركة حالات بالكامل، وإثارة مزاعم مغلوطة تحركها دوافع سياسية غامضة».

وأضاف المصدر ذاته أن «السلطات المغربية سجلت أن هناك توجهاً في التقرير ينزع نحو نوع من اجترار مزاعم متقادمة كانت مع ذلك موضوع التفسيرات والتوضيحات الضرورية»، معتبراً أن «ممارسة حشو من هذا القبيل تندرج في سياق منهجية تفتقر للدقة وتقلب الحقائق، ضمن مسعى استهداف معاد للمغرب بشكل مجاني وهو ما يثير العديد من التساؤلات».

وفي هذا الصدد، تساءلت وزارة الداخلية عن مصداقية هذا التقرير حينما يعده أولئك الذين حرروه من داخل مكاتب في واشنطن بعيداً بشكل تام عن حقائق المغرب، وأين تكمن موثوقيته حينما تكون تقديراته لا تتماشى مع تلك التي عبرت عنها مؤسسات أمريكية رسمية أخرى أكثر مصداقية وأكثر اطلاعاً على الحقائق؟ وما هي قيمته حينما يتنكر للواقع ويرتكز على تقارير سلمت للمسؤول المعني (مكتب) في الخارجية الأمريكية من طرف بعض الأشخاص الذين لا يتمتعون بأية مصداقية أو لحفنة من المغاربة، المعروفين منذ سنوات عدة، بمناوءتهم للنظام الحالي؟».

ورغم ذلك، يؤكد المصدر ذاته، «فقد تم إرساء مسلسل للحوار، الوحيد من نوعه بالمنطقة، منذ سنة 2006 ، مع السلطات الأمريكية المختصة، وهذا المسلسل كان بطلب من المغرب في العديد من المرات، رغم أنه لم يكن مجبراً على القيام بذلك ولا على تقديم تفسيرات لأي بلد أجنبي.

وأشار البلاغ إلى أن هذا المسلسل يمكن من الرد بشكل سريع، وطيلة السنة على الأسئلة المطروحة، وتقديم معطيات كاملة حول الحالات التي تمت إثارتها ووضع رهن الإشارة الوثائق المطلوبة كافة ، واليوم أصبح من المشروع التساؤل حول وجاهة وفائدة حوار من هذا القبيل، مضيفا انه «للأسف لم يعد التقرير اليوم أداة للإخبار بالنسبة للكونغرس، بل أصبح أداة سياسية بين أياد تعوزها أية دقة وموضوعية. وأمام عجز المحاورين الأمريكيين الرسميين عن الرد بوضوح على الحجج والاحتجاجات المتكررة للسلطات المغربية، وذلك منذ سنوات عدة، يجد المغرب نفسه مجبرا على اللجوء إلى السبل الممكنة كافة لفضح انزلاقات هذا التقرير، والمغرب لم يعد يرغب في تلقي أجوبة تملصية، ولكن على أجوبة واضحة، حالة بحالة، مضيفا أنه بسبب الضرر الكبير الذي تتسبب فيه هذه التقارير، فإن المملكة مستعدة للذهاب إلى أبعد حد، بل وحتى اللجوء إلى السلطات العليا في مختلف المؤسسات الوطنية الأمريكية».

وخلص البلاغ إلى ان المغرب «يأمل في أن يتعاون الشركاء الأمريكيون في المستقبل مع الحكومة المغربية من أجل إظهار الحقيقة التي نطالب بها بإلحاح، وأن تتم إدانة عمليات الاستغلال والكذب».

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها حول أوضاع حقوق الإنسان لسنة 2015 قد وجهت انتقادات للمغرب لا سيما فيما يتعلق بأوضاع السجون والأمن وحرية الصحافة، حيث وصف الوضعية داخل السجون المغربية بالمزرية والسيئة وغير الخاضعة للمعايير الدولية، معتبراً أنه يتم استخدام مجموعة من أساليب التعذيب على يد قوات الأمن لنزع الاعترافات بالجرائم، ومشيراً إلى أن عدم وجود تحقيقات ومحاكمات للأفراد المتهمين بالتعذيب يساهم في ترسيخ مناخ الإفلات من العقاب.

أما بخصوص حرية الصحافة، فذكر التقرير أن الأرقام التي قدمتها الحكومة المغربية أظهرت أن 23 صحافياً وجهت لهم اتهامات بخرق قانون الصحافة، مورداً أن الحكومة «تستخدم أساساً هذه القوانين لتقييد منظمات حقوق الإنسان المستقلة والصحافة ووسائل الإعلام الاجتماعية».

كما تحدث التقرير عما أسماه الحرمان من المحاكمة العادلة والعلنية في القضايا المعروضة أمام القضاء، وكذلك غياب استقلالية المحاكم وسيادة الفساد والنفوذ في القضاء بالمغرب.

ومن جهة أخرى، كان التقرير الأخير لمجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء قد خلف صدمة في المغرب ولا سيما بسبب الموقف الأمريكي، مثلما تجسد في بلاغ لوزارة الخارجية والتعاون المغربية الذي أشار إلى أن «المملكة تأسف لكون عضو مجلس الأمن الذي يتحمل مسؤولية صياغة وتقديم المشروع الأول للقرار أدخل عناصر ضغط، واكراهات وإضعاف، وتصرف بما يعاكس روح الشراكة التي تربطه بالمملكة المغربية». ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل دور صياغة مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء. وبهذه الصفة، فإنها تقوم بإعداد عناصر مشروع القرار الذي تقدمه إلى باقي أعضاء مجموعة أًصدقاء الصحراء الغربية (وهي فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا وإسبانيا)، قبل أن تقدمه إلى باقي أعضاء مجلس الأمن للبت فيه واعتماده، مثلما يوضح مختصون.

وكان مراقبون سجلوا في الكلمة التي ألقاها العاهل المغربي محمد السادس خلال القمة المغربية الخليجية التي انعقدت في الرياض خلال النصف الثاني من الشهر المنصرم، تلميحاً غير مباشر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حينما قال إن «المغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد».

وربط المراقبون بين مستجدات العلاقات المغربية الأمريكية وبين التوجه الجديد للشراكات المغربية مع روسيا والصين اللتين زارهما الملك محمد السادس، وأشرف فيهما على عقد اتفاقيات ثنائية في مجالات حيوية عدة.

وأمام مستجدات الموقف الأمريكي من المملكة المغربية، يتساءل ملاحظون عن مدى فعالية اللوبي المدافع عن مصالح المغرب في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يضم ـ بحسب صحيفة «المساء» ـ أعضاء في الكونغرس وصحافيين أمريكيين وجمعيات للصداقة بين البلدين والمركز الأمريكي المغربي للسياسة «غابرييل» الذي يحمل اسم سفير أمريكي سابق في الرباط؛ مع العلم أن هذا اللوبي كلّف المغرب ما يناهز 20 مليون دولار في ظرف سبع سنوات، مثلما كشفت ذلك مجلة «فورين بوليسي».

&