&أيمن الحماد

عشية افتتاح حركة النهضة التونسية مؤتمرها العاشر أعلن زعيمها راشد الغنوشي في حوار له مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، خروج حركته من «الإسلام السياسي» وتحولها إلى حزب مدني.

وأياً كان الوصف الذي يمكن إطلاقه على تلك الخطوة بأنه تحوّل أم «صحوة»، إلا أنه يكشف بأن المسلك الذي اتخذته الحركة أخيراً هو بمثابة إقرار ضمني بصعوبة حضورها على المشهد الاجتماعي التونسي.. فبعد أن واجهت حكومتا (الجبالي والعريّض) صعوبات في إدارة البلاد في الفترة بين 2011 - 2013، هاهي اليوم تتحدث عن حزب باستطاعة أيّ كان الانضمام إليه حتى وإن كان يهودياً أو مسيحياً -على حد قول المتحدث باسم المؤتمر أسامة الصغير-، وهذا يكشف أن «النهضة» تشعر بأزمة قد تهدد ما تبقى من حضورها في الساحة التونسية التي لا شك أنها على المستوى المجتمعي منقسمة بين حضور «اليسار» المعتبر والذين يمثلهم «الاتحاد العام للشغل» وبين «دولة بورقيبة» العلمانية الراسخة، وكلا الطرفين كانا على اتفاق غير معلن، وبالرغم من أن الصندوق الانتخابي قاد النهضة إلى رئاسة الحكومة، إلا أن الأخير تنبه في اللحظة الأخيرة عندما تنحى أمام العاصفة مستفيداً من الدرس المصري، إذ إن «إخوان مصر» صادروا قرار مؤسسات الدولة عندما أوكل الرئيس السابق محمد مرسي حق إصدار التشريعات لنفسه، وبدا كمشروع لديكتاتور ليصطدم مع الشارع لاحقاً.. صحيح أن نجاح الإخوان في مصر على مستوى العمل الخيري أكسبهم ثقة الناس الذين انتخبوهم، لكن إدارتهم للبلاد أفقدتهم رصيداً معتبراً من هذه الثقة، ليكتشفوا فيما بعد أنهم غير ناضجين كفاية لإدارة الدولة.

كلا التجربتين في مصر وتونس ينظران للتجربة التركية كقدوة عملية ومثال لنجاح تجربة «الإسلام السياسي»، لكن في واقع الأمر لا يبدو أن النهضة (إخوان تونس) والحرية والعدالة (إخوان مصر) تتبعا التجربة التركية التي لم تكن مجابهة لعلمانية الدولة والمجتمع، ولم تضع ذلك هاجساً أمامها لتطبيق خطته السياسية.. ومنذ البداية رفض «العدالة والتنمية» إلصاق صفة «الإسلام السياسي» به، وأصر على علمانية الدولة؛ بل وحرسها ليتفرغ للعمل السياسي والتنموي ويسجل تجربة ثرية وناجحة في الارتقاء بالدولة التركية، ويضعها في مصاف الدول العشرين، ويكسب ثقة الناخب التركي الذي أعطى إردوغان الثقة لقيادة البلاد لثمانية أعوام متصلة، بالرغم من معرفة المجتمع بخلفياته «الإسلاموية» منذ أيام حزب الرفاه، ليكون هذا الرجل بعدها قادراً على تغيير الدستور وتوسيع صلاحياته ووضع البلاد أمام نظام رئاسي.

تلك المقاربة توصلنا إلى أن «النهضة» و»الحرية والعدالة» قرءا التجربة التركية بشكل مقلوب، ليجدا نفسيهما خارج العمل السياسي الذي يبدو أن الحماس والتلهف لخوضه لا يكفيان للنجاح فيه، بقدر ما يجب أن يكون الذكاء السياسي حاضراً وفاعلاً ومحركاً لممارسته، وهذا ما يبدو أن «النهضة» التونسي تنبه له مؤخراً ليعلن نفسه حزباً سياسياً.