يحيى الأمير

لماذا حصدت حلقة (على مذهبي) التي بثت ثاني أيام شهر رمضان كل هذا التفاعل؟

في الواقع أن تناول مثل هذه القضية بحد ذاته وسط هذا الضجيج الطائفي الذي يملأ المنطقة يعد عملا جريئا بحد ذاته. ورغم كثرة التناولات لهذه القضية إلا أنها تظل في قوالب لا تصل لمختلف الشرائح ووفق أداء نظري مكرر غالبا.

جاءت هذه الحلقة في توقيت بلغ فيه التراشق الطائفي في المنطقة حدوده القصوى، إلى الدرجة التي بات الحذر من طرح هذه القضايا سلوكا عاما لدى الجميع ولدى مختلف المنابر. وبخاصة في البلدان التي تشهد تنوعا طائفيا ضمن مكوناتها السكانية.

كانت أبرز نقاط القوة في حلقة (على مذهبي) أنها انطلقت من فكرة أن الطائفية والتنوع الطائفي أمر حتمي وواقعي وليس اختياريا، فلم يختر يزيد السني أن يكون سنيا ولا عبد الزهراء الشيعي أن يكون شيعيا، لكن ظروف النشأة والتربية والمحيط هي التي جعلتهما كذلك، فكل مولود يولد على الفطرة.

هذه الانطلاقة للحلقة وضعت قاعدة مفادها أن لوم المختلف مذهبيا أو معاداته لا تختلف عن لوم المختلف عرقيا أو المختلف في لون بشرته، وهذا منتهى العنصرية، ولذا فإن الجانب الذي جعل للطائفية كل هذا الرواج والاستقواء أنها تنطلق من خلفيات دينية، هذه الخلفيات التي تجعل من إيمانها بالصواب المطلق والقدرة على العداء مع المختلف شأنا دينيا أيضا، وهنا تصل المعادلة إلى أعلى درجات التعقيد.

الحلقة أوضحت جانبا من عوامل التعقيد الاجتماعي في المسألة الطائفية وهي أن البغض القائم بين الطرفين بغض انطباعي وليس نتيجة تعايش ما، فثمة عداء كامن بين الطرفين لم يتم اختباره بأي شكل من أشكال التعايش.

الجانب الآخر الأكثر أهمية أن ذلك العداء الكامن بين المذاهب والطوائف ليس عداء واقعيا بل هو عداء تاريخي أي أن مرجعه يقع في الكتب والمرويات التاريخية والمؤلفات الفقهية القديمة من كلا المذهبين وليس مِن الواقع وبخاصة في بلدان كالمملكة ودول الخليج وهي بلدان لا تشهد أي اشتباك اجتماعي واقعي بين الطوائف لكنها مواقف كامنة في العقول جاءت بالتواتر وبالتوارث ولم تأت نتيجة واقع.

يصر الوالدان السني والشيعي طيلة الحلقة على حتمية العداء بينما لايرى الولدان يزيد وعبدالزهراء أي مبرر لذلك العداء.

شخصية كلا الوالدين في الحلقة ليست شخصيات اجتماعية عادية، إنها شخصيات (رجال دين) فوالد عبد الزهراء مثلا ليس موظفا في أرامكو ولا رجل أعمال، ووالد يزيد أيضا ليس موظفا بنكيا أو ضابطا أو طيارا، وبالتالي فشخصياتهما هي في الأصل تحوي كثيرا من مبررات التشنج واستحضار العداء الكامن، الدليل أن أحدا من الأبوين لم يوجه ابنه الجديد إلى حدث يومي أو إلى واقع معاش حاضر، بل إن كلا منهما وجه ابنه إلى مجموعة من الكتب، التراثية القديمة بطبيعة الحال، وفيما يستعد الوالد الشيعي لأرسال ابنه إلى النجف ويستعين بأخذ رأي المراجع ويحذر ابنه من البخاري، يقوم الوالد السني بإحضار مجموعة مماثلة له في الفكر والرؤية لإقناع الابن بخطأ واقعه القديم وصواب واقعه الجديد.

يمثل الولدان يزيد وعبدالزهراء الجيل الواقعي في مقابل الجيل غير الواقعي، والتعايش في مقابل الجفاء والتوجس، بينما يمثل خيط الرضاعة الذي يجعل منهما إخوة مع اختلاف المذهبين مظلة تتجسد في العامل المشترك، الوطن هو ذلك العامل، ولذلك حين لم يصغ هذان الشابان إلى العداء الموروث وحين لم يصغيا لمحاولة تربيتهما على العداء الكامن كانت اللقطة الأخيرة في الحلقة، شابان سعوديان يريان في هذا التفريق وفي هذا التكريس للطائفية والخلاف أمرا مزعجا لا ينتمي إليهما ولا هما ينتميان إليه.

وصلت هذه الحلقة من التأثير والانتشار أيضا ما لم تبلغه مختلف المقالات والمؤلفات والندوات واللقاءات عن الطائفية، وأحدثت حالة من المواجهة العامة مع عوامل تكريس الطائفية ورواجها والدعوة إليها، فلنترك والد عبد الزهراء في حسينيته يروي كرامات آية الله القصيباني ولنترك والد يزيد في مجلسه مع أصدقائه وكتبه ولنعمل على ربط كل من يزيد وعبد الزهراء بواقعهما ومستقبلهما، نحن أولى المجتمعات في التخلص من الطائفية وأكثرها قدرة على ذلك.