إدريس الدريس


جاءت قصيدة فتنة الإرهاب معبرة ومنسجمة مع الحاجة الشعبية والرسمية عربيا وإسلاميا ودوليا إلى مواجهة هذه الفتنة العمياء والاستعداد لها
يظل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعيدا عن كل سلطاته وألقابه الرسمية أحد أبرز وأميز القادة قياسا لما وعد وأنجز في بلاده وفي موطن حكمه، وأعني دبي درة المدائن وقبلة السواح ومدينة المعارض والمحافل والمؤتمرات والأرقام القياسية والإنجازات المدهشة.


لقد اُبتليت الأمة العربية بحفنة من العسكر الذين قفزوا على حين غرة إلى مقاعد السلطة ثم أخذوا يطعمون شعوبهم من خبز الشعارات وأرغفة التدجين ووجبات الترهيب، وقد اتكلوا على دغدغة مشاعر العامة برفع قميص المقاومة ومحاربة الإمبريالية والصهيونية والوقوف في صف الممانعة والصمود والتصدي، لكن الشعوب المسكينة والمغلوبة على أمرها تدرك أن كل هذه الشعارات هي لمجرد الاستهلاك الشعبي لأنها ترى بعينها أن الخسائر تزداد وتحرير فلسطين يصبح أبعد وأصعب، وأن الممانعة أصبحت زواج مماتعة مع العدو على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، ولهذه الأسباب وقعت معظم دول العسكرتاريا العربية التي كانت تزايد بشعار تحرير الأراضي المحتلة تحت وطأة ثورات الخريف العربي وما زالت في حالة شد وجذب بما يمكن أن نطلق عليها الأراضي المختلة.
كنت دائما ومنذ وقت مبكر مؤمنا بإن طبيعة العرب العشائرية منحازة إلى نظام المشيخة والتي تطورت إلى الملكية أو الأميرية أو السلطانية، لأن هذه التجمعات بحكم طبيعة تجذر القبيلة فيها فإنها تركن إلى نظام العشيرة الذي يصطفى غالبا أحد أكبر العقلاء من خلال توافق المجموع لاختيار الرجل الأحكم والأشجع والأكرم، ثم تستمر المسألة بشكل متتابع ومنسجم بما يتوافق وطبيعة المجتمعات العربية، ومن هنا فقد ازدهرت هذه الدول التي تحكم بأنظمة متوافقة مع الطبيعة الاجتماعية العربية، فيما فقدت أنظمة العسكر بوصلتها الشرعية.


يجرني إلى مثل هذه المقدمة قصيدة الشيخ محمد بن راشد "فتنة الإرهاب" الشاخصة بالهم الأهم في الآونة الأخيرة، وهو التطرف، وما جر إليه من نكوص عن جادة الصواب وما أفرزه من إرهاب تجاوز مداه إلى قتل الوالدين والإخوان والأقارب وارتقى ذروته عندما "حاولوا تفجير صرح شامخ قد بناه المهتدى الهادي المجاب، مسجد أسس بالتقوى ومن نوره النور غشا الكون وطاب". وهؤلاء الخوارج هم من يحسبون أنهم على حق وأن سواهم على باطل، وللأسف فإن هذا الفكر "له أتباع في تفكيرهم كل شيء ممكن إلا الصواب". ومعلوم حقيقة أن هذه التنظيمات الطارئة تخرج في كل المجتمعات وعلى مدى الأزمان في فتنة يشعلونها ثم لا تلبث لفساد فكرها أن تندثر وتمضي إلى مزبلة التاريخ والنسيان، لأن "من مضى في نهجهم أو فعلهم خاسر ما حظه إلا السراب، زمرة مجنونة ملعونة كلما تأتيه هدم وخراب، أي شرع كل ما فيه دم يترك الأرض بما فيها يباب".

ثم يمضي الشيخ محمد في أبياته المنسابة حكمة وفكرا إلى أن يجسد الاعتذارية من الانتساب للإسلام عمن يدعونه وهم يمضون في غيهم بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في مسجد

رسول الله وفي أقدس البقاع وأبرك الشهور، ولهذا يصدح معتذراً:

"يا رسول الله عذرا إننا في زمان فيه أمر الرشد غاب".

ثم يعود الشاعر ليؤكد أن هؤلاء الخوارج ممعنون في ضلالهم:

"لن يتوبوا عن أذى يأتونه أبدا/ إلا إذا الشيطان تاب"
ومن هنا فإن الشيخ محمد يجدد الدعوة للمسلمين للتكاتف ومواجهة هذا الفكر الظلامي المتفجر
"يا بني الإسلام هل من وقفة تحسم الشر وتجتث الخراب
إن في القوة حلاًّ كلما جاء أهل البغي يبغون الجواب
فأعدوا ما استطعتم واصبروا ذاك وعد الله في أم الكتاب".

كان الشعر العربي قديما أحد أدوات التحشيد والتحفيز والاستعداد، وما زال أحد الأوعية الإعلامية التي يمكن توظيفها في أي مناسبة، وقصيدة "فتنة الإرهاب" للشيخ محمد تجيء معبرة ومنسجمة مع الحاجة الشعبية والرسمية عربيا وإسلاميا ودوليا إلى مواجهة هذه الفتنة العمياء والاستعداد لها كما في أبيات القصيدة بالوقفة والتضامن وعدم المهادنة أو المصانعة في حق هؤلاء، ولكن مواجهتهم بالقوة والحزم.

أخيرا أظن أن هناك كسرا في أحد أبيات القصيدة في البيت التالي: "وبنصر من رجال نذروا أنفسا تكتسب المجد اكتساب".. وأعتقد أن البيت يتوازن هكذا: تكسب المجد اكتساب.
الخلاصة أن كلام الشيخ محمد هو كلام الرجل الراشد والمختوم حكمة وبصيرة تستشرف ما كان وما يجب أن يكون.
&