&عاطف الغمري

لا يتوقف الكتاب والخبراء في أمريكا عن تقييم استراتيجية أوباما للحرب على «داعش»، ضمن مناقشاتهم للسياسة الخارجية لإدارة أوباما بشكل عام، وهم يبحثون ويحللون من خلال متابعتهم لمجال بحثهم، وبناء على ما يستخلصونه من معلومات من المقربين من دائرة صناعة السياسة الخارجية. وتخرج نتائج جهودهم في صور متنوعة، بعضها يمهد لحوارات أوسع داخل مراكز الفكر السياسي، وبعضها ينشر كتباً أو مقالات. آخر ما طرح من آراء حول هذا الموضوع، جاء عندما تناول كاتبان أمريكيان - في وقت واحد - سياسة أوباما، وقراءاته بشأن الحرب على «داعش».

ولوحظ أنهما يطرحان الملاحظات والتساؤلات، أكثر مما يقدمان من أجوبة قاطعة، بطريقة قد تختلف عن أسلوب كثير من الكتابات التي تعرضت لهذا الموضوع، والتي تبدو هنا، كأنها تستفز عقل القارئ، وتحفزه على استنتاج الحقيقة الكامنة وراء حرب أمريكا على «داعش»، خاصة أن الكاتبين، يقدمان عبارات تبدو كمفاتيح للوصول إلى النتائج.

الكاتب ستيفن ووكر في مؤلفه «رؤساء أمريكا وأخطاء سياستهم الخارجية»، يقرر أن الأخطاء التي ترد في صورة قرارات سيئة، هي مظهر شائع لكل إدارة لرئيس أمريكي، وأن عواقبها تتنوع من إنفاق عسكري كبير الحجم، بلا ضرورة، إلى فرص ضائعة في السياسة الخارجية، إلى إراقة دماء بلا ضرورة كذلك.

ويبدو من مضمون الكتاب الثاني وهو «حرب أمريكا على «داعش» وما الذي تعنيه»، للمؤلف روبرت جيرفيز، كأنه يكمل الصورة. فهو يحاول أن يضع نقاطاً على الحروف. ومن خلال سياق كتابه، تتكرر ملاحظاته، عن افتقاد استراتيجية أوباما تجاه «داعش» للوضوح، بسبب تناقضاتها الظاهرة.

ومن بين ما يلقي الضوء على عدم الوضوح في أهداف أوباما، وبقائها محل تساؤل، أن أوباما في خطابه إلى الأمة، قال إننا سوف نقلص من «داعش»، وندمرها في النهاية. لكن حدث بعد أربعة أيام فقط من هذا الخطاب، أن أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة أن النجاح يبدو محدوداً، وأن «داعش» لم يعد يهدد أمريكا، وأصدقاءنا في المنطقة. وينتقل المؤلف إلى مظهر آخر من عدم الوضوح، بالقول إن استراتيجية أوباما ليست على مستوى الأوضاع القائمة.

إن كثيراً من الخبراء والكتاب الأمريكيين لم يتوقفوا عن تحليل قرارات إدارة أوباما تجاه المنطقة، خاصة مبادرته لقيام تحالف دولي للحرب ضد «داعش». ومع ذلك لم يحقق هذا التحالف أي جزء من الأهداف التي أعلنت سبباً لقيامه. بل إن تجاهل أوباما لتواجد «داعش» وتوسعه في سوريا، أدى إلى تمدده في العراق. ووقتها ظل يتجاهل الوضع المتدهور في ليبيا، إلى أن تمدد «داعش» من سوريا والعراق إلى ليبيا أيضاً. فهل يمكن النظر إلى مواقف أوباما، على أنها تفتقد حسن التدبير؟ يصعب قول ذلك، لأن المعروف أن أوباما كان واعياً لتهديد «داعش» في سوريا لسنوات، ولم يضع في حساباته توقعات امتداده إلى العراق فيما بعد.

يقول المؤلف روبرت جيرفيز أن «داعش» حين قام بقطع رؤوس الرهائن، كان يتوقع أن تبدأ أمريكا حملة عسكرية ضده، واعتبر أن هذا التصرف الأمريكي سيكون في مصلحته، لأنه سيعزز من صورته في نظر من ينتمون إلى منظمات إرهابية أخرى، بحيث يصبح في نظرهم، التنظيم الإرهابي القيادي، بالمقارنة بالمنظمات الأخرى.

والكتاب يدفع إلى تساؤل له مغزاه، عما إذا كان قرار أوباما، بتشكيل تحالف ضد «داعش»، هدفه القضاء عليه، أم أنه نتيجة لغضب الرأي العام في بلاده، إزاء عمليات قطع رؤوس مواطنين أمريكيين؟ ويعزز هذا السؤال ما كان أوباما أعلنه من أنه ليست لديه استراتيجية للحرب على «داعش»، وبعدها بأيام أعلن اقتراحه للتحالف للحرب ضد التنظيم الإرهابي.

إن استمرارية «داعش»، وتوغل خلاياه إلى مختلف دول المنطقة، بالرغم من مرور عامين تقريباً على قيادة أمريكا لتحالف دولي للقضاء على التنظيم بكل ما تملكه من قدرات عسكرية، وتكنولوجية، وفرق مخابراتية لديها معرفة بخبايا التنظيمات الإرهابية، واختراقها للكثير منها، إنما يثير تساؤلات بلا نهاية، عن أهداف أمريكا الحقيقية. وهل تريد فعلاً القضاء على هذا التنظيم، أم أنها - كما تقرر كتابات لخبراء عديدين - تستخدم ما يصنعه التنظيم من فوضى، ومؤامرات لهدم كيانات دول في المنطقة، عن طريق مثل هذا التنظيم وأشباهه، التي يطلق عليها خبراء أمريكيون، وصف «الوكلاء المحليون»؟