&مصالحة الجبل بين الدروز والموارنة في البال بعد 15 عاماً: هل من رسالة من مؤسسي الكيان اللبناني؟

سعد الياس

&في خطوة لافتة، تمّ في الجبل إحياء ذكرى المصالحة التاريخية بين الدروز والموارنة إثر الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إلى المختارة في مطلع شهر آب/اغسطس من العام 2001 وعرّج خلالها على العديد من القرى والبلدات المسيحية والدرزية مستهلاً زيارته من دارة الأمير طلال ارسلان في خلدة وصولاً إلى دارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

وعلى خطى البطريرك صفير قام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بزيارة إلى المختارة لتكريس كنيسة السيدة التي أعاد الزعيم الدرزي ترميمها، وحرص جنبلاط على دعوة القيادات المارونية إلى المشاركة في المناسبة وكأنه يعيد الروح إلى تلك المصالحة التي أسّست لانعطافة جنبلاطية أوصلت إلى التصدي لنظام الوصاية السورية وخروج الجيش السوري من لبنان لاسيما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005.

ويمكن القول إن النائب جنبلاط الذي دأب في بعض الأوقات على مهاجمة بعض الأحزاب المسيحية من دون أن يوفّر بكركي إنقطع منذ تلك المصالحة عن هذا الاسلوب، كذلك تفعل الأحزاب المسيحية التي في عز خلافها مع سيّد المختارة وابتعاده عن فريق 14 آذار واختياره تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة بدلاً من الرئيس سعد الحريري وجدت التبريرات للزعيم الدرزي وأكدت مراراً أنها تتفهّم موقفه ولا ترغب في الدخول معه في أي سجال.

وإذا كانت علاقة النائب جنبلاط بكل من حزبي القوات اللبنانية والكتائب تسير بخطى ثابتة إلى حد بعيد ويُسجّل تفاهم اشتراكي قواتي على قانون الانتخاب وتقسيمات جبل لبنان بضم قضاءي الشوف وعاليه دون بعبدا الذي توجد فيه أرجحية شيعية ومارونية، فإن علاقته برئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون التي شهدت توترات سياسية كبيرة في الكثير من الأحيان منذ عودة عون من منفاه الباريسي بدأت تشهد هدوءاً منذ حوالي العام وصلت إلى حد اعلان سيّد المختارة أن لا مشكلة لديه في انتخاب عون.

وفي خضم الحديث عن مؤتمر تأسيسي في لبنان، ورغبة حزب الله في الذهاب إلى مثل هذا المؤتمر للحصول على مكاسب في النظام اللبناني مستفيداً من فائض القوة التي يتمتع بها، يذكّر مراقبون أن أساسات الكيان اللبناني بشكله الحالي إنما بناها الموارنة والدروز الذين لجأوا إلى جبل لبنان وتمتعـــوا على مدى سنوات طويلة بإستقلال ذاتي واختـــلط بعضهم ببعض وخصوصاً في عهد الأمير فخر الدين قبل أن ينقض العثمانيون على الأمير المعني ويذوق حلفاؤه الموارنة مرّ الاضطهادات.

ويعتبر هؤلاء المراقبون أنه ليس من السهولة بمكان على حزب الله أخذ الفئات اللبنانية إلى مؤتمر تأسيسي طالما هناك دروز ومسيحيون وسنّة غير مقتنعين بمثل هذا المؤتمر الذي يشكّل انقلاباً على اتفاق الطائف. ومن هنا تأتي سلسلة المواقف التي ما إنفكّت في الآونة الأخيرة تتمسك بالطائف وتنفي أي رغبة في الذهاب إلى المجهول التأسيسي.

ولمناسبة ذكرى المصالحة، كان لافتاً اللقاء الذي انعقد في معراب بين طلاب من القوات اللبنانية وآخرين من الحزب التقدمي الاشتراكي تحت عنوان «الجبل…حقاً قام». وكانت خواطر لرئيس القوات سمير جعجع في هذا اللقاء شرح فيها الظروف والأقدار التي أوصلت إلى حرب الجبل وأبرز ما جاء في كلام جعجع «الكثير من فصول الحرب فرضتها ظروف إلا فصل واحد قد عايشته، واليوم أنا هنا أتذكر ليس فقط للذكرى بل لاتخاذ العبر، واللقاء اليوم ما هو إلا لحمل هذه الرسالة والعبر من أجل القيام بما هو أفضل مما قمنا به». وأكد «ان الفصل الوحيد في الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1990 الذي لم يكن له أي مبرر وينطبق عليه فعلياً وصف الحرب العبثية هو حرب الجبل التي لم يكن مخططاً لها، بل الحوادث هي التي جرّت نفسها على غير هدى، فمنطق الحرب كان هو السائد، وانطلاقاً من هنا ومهما كانت الظروف يجب ان نفعل المستحيل لكي لا نقع في الحرب مجدداً».

وبعدما أسهب في شرح علاقة الصداقة بينه وبين جنبلاط، وجّه جعجع رسالة معبّرة إلى الاشتراكيين بقوله «حين صارت المصالحة بين القوات والتيار الوطني الحر صدرت أغنية تقول اوعا خيّك، واليوم أقول للقوات والاشتراكيين في الجبل، اوعا خيّك».

وكان النائب جنبلاط سبق كثيرين بشرح الظروف التي أدت إلى حرب الجبل والتهجير في العام 1983 ومنها حسب قوله «رواسب الحرب وعدم إمكان التواصل وعدم وضوح الرؤيا»متمنياً «فتح صفحة جديدة في العلاقات من أجل وحدة لبنان وعيشه المشترك ومن أجل استكمال مسيرة العودة» قبل أن يجزم للبطريرك صفير قائلاً «إن حرب الستين ورواسب حرب الستين إنتهت إلى غير رجعة وأن حرب الجبل قد ولّت إلى غير رجعة».

يبقى أن البطريرك صفير الذي بلغ في 15 ايار/مايو الفائت الـ 96 عاما ما زالت مواقفه الصلبة في ضمير كثير من اللبنانيين الذين يستذكرون دائماً اسلوبه الخاص ومواقفه المعبّرة بإقتضاب، وكيف إعتمد المقاومة السلمية التي تتمسك بالثوابت الوطنية وتدعو إلى الالتزام بها ولكن من دون أن تستثير السوريين في فترة وصايتهم لئلا تحملهم على القيام بأعمال قمع عنيفة كتلك التي إعتاد النظام السوري القيام بها طيلة فترة وجود جيشه في لبنان وخصوصاً ما حصل بعد مصالحة الجبل، حيث عمد رجال المخابرات إلى تنفيذ سلسلة اعتقالات في 7 آب/اغسطس كرد قوي على لقاء سيدي بكركي والمختارة رغم حرص البطريرك في محطات زيارته إلى الجبل وخصوصاً في الكحالة إلى محاولة التخفيف من حماسة الشبان الذين رفعوا أعلام القوات وصور العماد ميشال عون ورددوا شعارات مناهضة لسوريا وداعية لخروج جيشها من لبنان.