&&عبدالرحمن اللاحم

الصور التي بثتها وكالات الأنباء عن تحرير مدينة (منبج) السورية من قبضة داعش، وذلك من قبل قوات سوريا الديموقراطية؛ جاءت معبرة في وصف خطورة التطرف الديني على الدين نفسه وعلى علاقة الناس بالتدين الطبيعي الخالي من التطرف والإلزام بالقهر والقوة، فالجميع شاهد النساء وهن يحرقن النقاب والعباءة السوداء التي ألزمت داعش النساء بارتدائهن، ورأينا مجموعة صور لسيدات يلوحن بعلامة النصر وهن ينفثن دخان سجائرهن في سماء مدينتهن المحررة والابتسامة ترتسم على أفواههن، كما رأينا مجموعة من الرجال يتبادلون (المقص) لقص لحاهم التي كان إعفاؤها واجبا زمن سيطرة داعش عليهم، مع أن تلك الممارسات سواء ارتداء العباءة السوداء أو حتى النقاب وإعفاء اللحية كانت ظواهر موجودة قبل داعش منذ زمن طويل، إلا أن طريقة الفرض بالقهر والإرهاب سببت ردة الفعل العنيفة تجاه تلك الممارسات التي أصبحت ترمز لحقبة سوداء عاشتها (منبج) تحت احتلال قوى التخلف والإرهاب، وكأن تلك النساء يحرقن ذاكرتهن مع ذلك الاحتلال الغاشم!

هذا هو الخطر الحقيقي من التطرف الديني الذي مازلنا نحذر منه وحذر منه العقلاء وهو دفع الناس إلى زوايا حادة بعيدة عن الدين الصحيح البسيط، وذلك بسبب تطرف بعض الوعاظ وما يسمون بالدعاة وفرض رؤيتهم المتشددة على الناس ومحاربة الفن والجمال والبسمة وملاحقة كل مظاهر الفرح والسعادة بذرائع دينية مستندة على فتاوى متطرفة من أناس نصّبوا أنفسهم أوصياء على البشر وجعلوا من أنفسهم وسطاء بين العبد وربه.

هنا يأتي دور الدول والحكومات لضبط خطاب التطرف وقمعه بسلطة القانون حماية للدين بالدرجة الأولى وحماية لعلاقات الناس بالتدين الطبيعي الذي لم يكن يوما عائقا أمام الجمال والفن والبهجة، فلا يمكن تصور أن يسمح لشخص بأن يفرض رأيه على جماعة ويقوم باقتحام منشط ثقافي بحجة الاحتساب، لأن محتوى ذلك المنشط محرم على حسب رأيه، لأن في ذلك مصادرة لآراء وخيارات الناس، فلكل إنسان في هذه البسيطة الحق في اختيار نمط الحياة التي يريدها بما فيهم المتشدد المغالي دون أن يكون له الحق في فرض ذلك النمط على الآخرين، وهذه قاعدة حقوقية بسيطة تلتزم الدول والحكومات في تطبيقها كجزء من التزامها بحماية حرية وحقوق البشر المقيمين على إقليمها.

وإذا ترك الغلاة يعيثون في الأرض تطرفا وقمعا لحريات الناس وخياراتهم فسنرى قطعا صور (منبج) تتكرر في كثير من عواصمنا العربية ولكن بشكل أكثر حدة، يومها لن ينفعنا عض الأصابع وآهات الندم؛ لأن الحكماء قالوا يوما من الأيام (في الصيف ضيعت اللبن).