&هاني الظاهري

أشعلت فتوى التكفير التي أطلقها الداعية الإخواني الهارب إلى تركيا وجدي غنيم بحق العالم والمفكر العربي الكبير الراحل الدكتور أحمد زويل غضب بعض المثقفين والكتاب أخيرا رغم أنها تأتي في سياق وراثي تاريخي لتكفير عباقرة المسلمين الذين تجاوزت شهرتهم الآفاق طوال أكثر من ثلاثة عشر قرنا قدموا للعلم والبشرية خلالها خدمات لا يمكن نسيانها.

في بحث بعنوان «المدينة الإسلامية في الغرب» يقول لويج رينالدي: «ومن فضل المسلمين علينا أنهم هم الذين عرّفونا بكثير من فلاسفة اليونان. وكانت لهم الأيدي البيضاء على النهضة الفلسفية عند المسيحيين. وكان الفيلسوف ابن رشد أكبر مترجم وشارح لنظريات أرسطو. وقد قرأ الفيلسوف ورجل الدين النصراني المشهور توماس الأكويني، نظريات أرسطو بشرح العلامة ابن رشد. ولا ننسى أن ابن رشد هذا مبتدع مذهب «الفكر الحر». وهو الذي كان يعشق الفلسفة، ويهيم بالعلم، ويدين بهما. وكان يعلمهما لتلاميذه بشغف وولع شديدين».

المصادر التاريخية الإسلامية تشير إلى أن ابن رشد اتهم بالكفر لاشتغاله بالفلسفة، وتم نفيه إلى «أليسانة» وهي بلدة صغيرة بجانب قرطبة كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرقت جميع مؤلفاته، ثم تم حبسه ليخرج بعد فترة قصيرة وينتقل إلى بلاد المغرب التي توفي فيها!

ومن أشهر علماء المسلمين العباقرة أيضا «ابن سينا» الذي عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث. وقد ألّف نحو 200 كتاب في مواضيع مختلفة، عديد منها يركّز على الفلسفة والطب. كما يعد ابن سينا من أوائل المسلمين الذين كتبوا عن الطبّ في العالم متبعا نهج أبقراط وجالينوس. ومن أشهر أعماله كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب. لكن نظرا لانشغاله بالفلسفة والنظريات الطبية فقد كفره الغزالي في كتابه «المنقذ من الضلال»، وأكد تكفيره ابن كثير في البداية والنهاية. كما ذكر ابن عماد في «شذرات الذهب» أن كتابه «الشفاء» اشتمل على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين.

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فاتهمه بالانتماء إلى إحدى الفرق التي وصف أتباعها بأنهم ليسوا من المسلمين أو اليهود أو النصارى! وقد هجاه ابن القيم في كافيته التي منها قوله:

«هـذا الذي قاد ابن سينا والألى قالـوا مقالتَـهُ إلى الكفران!»

الدكتور «أحمد زويل» الحاصل على جائزة نوبل، ومن قبله «ابن رشد» و«ابن سينا» ليسوا سوى نماذج بسيطة من قائمة طويلة لعباقرة المسلمين الذين لاقوا المصير نفسه، وألهبت حياتهم سياط التكفير.. ويحق لنا أن نتساءل اليوم عما يمكن لأحدنا قوله إن افتخر بهؤلاء العباقرة وجاءه الرد من رجل أوروبي أو أمريكي بأنهم ليسوا مسلمين كما يدعي.. وهذا طبعا بناء على آراء المسلمين أنفسهم!

&