&حسين شبكشي&

سرت شائعات قوية جدًا في الآونة الأخيرة تفيد بأن الريال السعودي سيتعرض لإعادة تسعير وتقييم جديد مقابل عملة الدولار الأميركي وبالتالي تخفيض في قيمته. وبدأ كم غير بسيط من الناس في تجاذب عنيف تساعدهم في ذلك الأمر وسائل التواصل الاجتماعي الفعالة والمؤثرة جدًا. ولم تمض فترة طويلة حتى صدر توضيح مقتضب ومباشر من مؤسسة النقد، وهي الجهة الموازية للبنك المركزي في السعودية، قيل فيه إنه لا توجد نية لدى مؤسسة النقد لتخفيض سعر صرف الريال مقابل الدولار، وتنفس «القلقون» الصعداء وأغلق البحث في هذا الأمر. ولكن هل حقيقة أغلق البحث فيه؟

كل السلع تتعرض للصعود والهبوط وذلك بحسب «القيمة» الآنية لها وآلية العرض والطلب، والعملات هي الأخرى سلعة مثل غيرها من السلع، وإذا تحقق وترسخ هذا الفكر جيدًا ستكون «الحساسية» وبالتالي الخوف والقلق من تغيير سعر صرف أي عملة محجمة ولا وجود لها.

الآن قد يكون من المطلوب الحديث بعمق قليلاً وبلا دراما وبلا حساسية عن سعر صرف الريال «الحقيقي».. هل السعر الموجود اليوم هو سعر حقيقي وسعر واقعي أم أنه سعر «سياسي» ومدعوم؟ وإذا كانت الإجابة بأنه سعر سياسي ومدعوم فقد يكون من المطلوب صحيًا فتح الحديث عن سعر الريال ومبدأ دعمه والدواعي اللازمة «اليوم» لإبقاء سعر الصرف على ما هو عليه. كل السلع «حرة» وتتحرك صعودًا وهبوطًا فلماذا نستثني منها الريال في علاقته مع الدولار؟

الوضع الاقتصادي العالمي يتغير وانعكس هذا الأمر بشكل حاد على الوضع الاقتصادي المحلي في السعودية وليس هذا بخافٍ على أحد، بل لقد نبه إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بنفسه في خطاب وجهه للمواطنين، وبالتالي إعادة النظر في السياسة النقدية للبلاد بشكل عقلاني وواقعي بعيدًا عن العواطف قد تكون من المجدي بدلاً من الاستمرار في سياسة الدعم «المكلف» الذي من الممكن توجيه تكلفته إلى مناطق أخرى من أوجه الصرف التي تستحق، لأن فكرة النفي الذي حصل عن نية تغيير سعر الصرف فقط لأسباب سياسية أو اجتماعية بعيدًا عن التكلفة الاقتصادية للعملية هي مجرد تأجيل للفاتورة إلى فترة مستقبلية وليست حلاً كاملاً للموضوع.

من البديهي أن يكون هناك «رفض» رمزي عالي الصوت لفكرة تخفيض سعر صرف الريال لما سيتبع ذلك من تبعات تأتي بالتضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولكنها قد تكون وسيلة ذاتية لإعادة النظر في أولويات الصرف وإحداث سياسة ضبط النفس المالي والاعتماد على بنود جديدة وغير تقليدية، وهي تجربة مرت بها اقتصاديات كثيرة من التي واجهت سياسة تسعير نقدي جديد للعملة.

الاستمرار في معارك طواحين الهواء لأجل «الحفاظ» و«حماية» سعر العملة بات اليوم يوصف ويصنف بالهدر ولا يمكن أن يكون سياسة مستدامة في ظل تغيرات اقتصادية حادة وتحديدًا في ظل انخفاض سعر النفط بأكثر من 60 في المائة، ولا يمكن لهذا الانخفاض الحاد ألا يكون أثر على سعر العملة.

فتح موضوع إعادة تسعير الريال قد يكون مفيدًا أكثر من الإصرار على سعر غير اقتصادي ومكلف للعملة.

&&