&وليد أبي مرشد&

&&قد يذكره التاريخ كأول رئيس أميركي دخل البيت الأبيض «شمام هوا» وخرج منه «قطاف ورد» - حسب مقولة المثل العربي الشعبي.

وقد يذكره الفلسطينيون كأفضل رئيس أنعش - ومن ثم أحبط - آمالهم بتنفيذ الوعد الأميركي بإقامة دولتين ديمقراطيتين متعايشتين بسلام على أرض فلسطين.

وقد يذكره السوريون كأجرأ رئيس أميركي وعد بتخليصهم من محنتهم بعد أن تجاوز نظامهم «الخط الأحمر» في قمعه للمعارضة عام 2012.. وتراجع عن وعده في أربع وعشرين ساعة، تاركًا حربهم الأهلية تتفاعل إقليميًا ودوليًا حتى الآن.

أسابيع قليلة تفصل الرئيس باراك أوباما عن نهاية ولايته، ومعظم المدافعين عن تقصير دبلوماسيته في حل ولو واحدة من مشكلات الشرق الأوسط يحمّلون الكونغرس، الجمهوري الأكثرية، مسؤولية «عرقلة» اقتراحات الرئيس الديمقراطي ومشاريع قوانينه. ولكن إذا كانت هذه الذريعة مقبولة على صعيد موقف الكونغرس من عدة مشاريع داخلية وفي مقدمتها مشروع الرعاية الصحية (أوباما كير)، فلا مصداقية لها بتاتًا في تبرير تراجعه المفاجئ في أغسطس (آب) 2012 عن تهديده العلني بمعاقبة النظام السوري على تخطيه ما وصفه شخصيًا «بالخط الأحمر» (في استعانته بالسلاح الكيماوي ضد المعارضة). آنذاك كان بإمكانه استعمال حقه الدستوري باتخاذ قرار رئاسي بتنفيذ عمليات عسكرية ضد النظام السوري لمدة تسعين يومًا قبل العودة إلى مجلس الشيوخ لطلب تمديد المهلة (إن استدعت الحاجة ذلك) لا الموافقة عليها. وكان لافتًا آنذاك أن أوباما تراجع عن تهديده رغم أن تهمة استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي كانت موثقة من الأمم المتحدة.

مع ذلك تبقى الظاهرة المحيّرة في مواقف الرئيس أوباما الشرق أوسطية تقريبه البعيد وإبعاده القريب، فقد استعدى الأصدقاء - بدءًا بدول الخليج العربية، ومرورًا بتركيا الأطلسية ومصر بعد 30 يونيو، وانتهاء بحليف السراء والضراء إسرائيل، وبذل الجهد الجهيد لاستمالة خصم قديم للولايات المتحدة، أي إيران، لا يخفي حتى الآن توجسه من نفوذ «الشيطان الكبير».

وكأن التقصير في حل مشكلات الشرق الأوسط الراهنة لا يكفي دبلوماسية واشنطن إرباكًا، فتبدو إدارة أوباما وكأنها تؤسس في أواخر أيامها لمشكلة جديدة - قديمة بتحالفها الغامض مع الميليشيات الكردية في سوريا والعراق، وهو تحالف يثير التساؤل ليس فقط عن جدواه السياسية بل أيضًا عن فرص استمراريته.

إذا كان تحالف إدارة الرئيس أوباما مع الميليشيات الكردية أثمر، في الآونة الأخيرة، مردودًا عسكريًا إيجابيًا على صعيد محاربة «داعش» (بدعم جوي ولوجيستي فاعل من القوات الأميركية في المنطقة)، فإن مخاطر مردوده السياسي، على المدى البعيد، تفوق بكثير مكاسبه الآنية.

ربما تدرج إدارة أوباما تحالفها العسكري مع الميليشيات الكردية في خانة حملة الحزب الديمقراطي الانتخابية، ما يجعله تحالفًا ظرفيًا يتيح لـلديمقراطيين توظيف انتصارات الميليشيات الكردية على «داعش» لمصلحة مرشحة الحزب هيلاري كلينتون في مواجهة طروحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب المتشددة. ويعزز هذا الاحتمال تأكيد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن قوات التحالف الدولية ماضية في تقليص منطقة سيطرة دولة «داعش» في سوريا والعراق.

ولكن للتحالف الأميركي - الكردي ثمنًا سياسيًا يصعب على واشنطن تسديده، حتى في حال حسم معركة سوريا لصالح هذه الجهة أو تلك، دون استعداء حلفائها الجدد والقدامى، أي تركيا وإيران وحتى النظام السوري الرافض لمشروع «الدولة الكردية»، ودون إعادة تفتيت الشرق الأوسط إلى دويلات عرقية ومذهبية.

إذا كان التحالف الأميركي - الكردي تحالفًا بلا أفق سياسي في نظر واشنطن، فسيكون الانفصاليون الأكراد أول الخاسرين منه، وإذا كان تحالفًا يؤسس لـ«سايكس بيكو» جديد في المنطقة، فستكون الولايات المتحدة الخاسر الأول منه.

أما الرابح الوحيد من كل هذه التحولات فسيكون الرئيس أوباما الذي سيخرج من البيت الأبيض «قطّاف ورد» ترك تقليع شوكه لهيلاري كلينتون.

&&

&