&&مع حصول أجهزة الاستخبارات البريطانية على تأييد جديد لسياساتها الخاصة بالتنصت الواسع النطاق على الاتصالات الإلكترونية للمواطنين، واجهت «الساحرة الشريرة»، بحسب الوصف الذي يُطلقه متشددون على رئيسة الوزراء تيريزا ماي، نكسة في حربها على «دعاة الكراهية» بعدما تبيّن أن خطابات رجل الدين المتطرف أنجم تشاودري ومناصريه ما زالت متوافرة على شبكة الإنترنت، بعد أيام من إدانته بالترويج لتنظيم «داعش» في بريطانيا.

وكشفت صحيفة «ذي تايمز» في تقرير أمس، أن أنصار تشاودري ما زالوا ينشرون «خطابات الكراهية» بحرية على الإنترنت بحسب ما أظهر بحث على موقعي «غوغل» و «يوتيوب»، مشيرة إلى أن هذه الخطابات تتضمن تحريضاً على قتال «الكفّار» وتمجيد أعمال «داعش» وإشادة بـ «إبادة» النازيين لليهود والمطالبة بأن تحكم الشريعة العالم. وبعد عقدين من الزمن تمكن فيهما تشاودري، «خليفة» عمر بكري على رأس جماعة «المهاجرون» المحظورة، في نشر أفكاره المثيرة للجدل، نجحت السلطات البريطانية الأسبوع الماضي في نيل إدانة قضائية له بسبب اتهامه بتشجيع «داعش». وبسبب خلفيته القانونية بوصفه محامياً، كان تشاودري (49 سنة) دائماً يعرف «الحدود» التي تسمح له بالبقاء ضمن إطار «حرية التعبير» وتمنع ملاحقته بتهم الإرهاب. لكن مواقفه مالت نحو مزيد من التشدد بعد بروز «داعش» في سورية والعراق، وكانت السبب الذي دفع بالسلطات إلى توقيفه في العام 2014، على رغم أن إدانته لم تتم سوى الآن.

وعلى رغم هذه الإدانة، لفتت «ذي تايمز» إلى أن أنصاره ما زالوا يروّجون لأفكاره المتطرفة، ومن بين هؤلاء سيدارثا ذر، مساعد تشاودري السابق، الذي سافر إلى سورية ويُعتقد أنه شارك في عمليات قتل لسجناء. وأوردت أنهم يقارنون بين تشاودري وبين زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، ويمجّدون صديق خان زعيم المجموعة التي نفّذت التفجيرات الانتحارية في لندن في تموز (يوليو) 2005، ويصفون رئيسة الوزراء تيريزا ماي بـ «الساحرة الشريرة» التي سيهزمها الله. وجادل ريتشارد والتون، الرئيس السابق لفرع مكافحة الإرهاب في اسكتلنديارد، بأن أشرطة الفيديو التي ينشرها المتشددون يمكن أن تزيد في نشر التطرف بين الناس حتى ولو لم تصل إلى الحد الذي يسمح باعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون.

وجاء الجدل في شأن استمرار نشر آراء «دعاة الكراهية» على شبكة الإنترنت في وقت نالت أجهزة الاستخبارات تأييداً لجهودها في التنصت الواسع النطاق على الاتصالات من ديفيد أندرسون، المحامي البارز المكلّف إجراء «مراجعة مستقلة» للصلاحيات الممنوحة لوكالة التنصت الحكومية (جي سي أتش كيو) وجهاز الاستخبارات الخارجية (أم آي 6) والاستخبارات الداخلية (أم آي 5). وقال تقرير من 200 صفحة أعده أندرسون إن هناك «دليلاً عملانياً» يؤكد جدوى رصد الاستخبارات وجمعها كل اتصالات المواطنين، لكنه أقر بعدم وجود دليل حاسم يبرر «الاختراق الشامل» للاتصالات (هاكينغ)، مع إبقاء هذا الاحتمال مفتوحاً. ويساعد موقف أندرسون حكومة ماي في جهودها لتمرير قانون جديد يمنح الاستخبارات سلطات واسعة في التنصت الشامل على الاتصالات وجمعها ضمن «قاعدة بيانات» يمكن الرجوع إليها في أي وقت، بدل أن يكون التنصت مقتصراً فقط على من يُشتبه في تورطهم في الإرهاب أو الجريمة.

وأشار التقرير في معرض دفاعه عن منح الاستخبارات سلطة التنصت الشامل إلى أن مثل هذا الأمر ساهم فعلاً في إنقاذ حياة بريطانيين، وبالتحديد رهينة كانت محتجزة لدى «طالبان» في أفغانستان. والمقصود هنا عاملة الإغاثة هيلين جونستون التي خُطفت عام 2012 فسارعت وكالة التنصت إلى تشكيل فريق عمل من 50 فرداً عملوا على تحليل الاتصالات التي جرت في أفغانستان، ما أدى إلى كشف أنها محتجزة لدى «طالبان» فتم إرسال قوة خاصة حررتها وقتلت الخاطفين. وبدا أن تقرير أندرسون يلفت أيضاً إلى حالات أخرى تبرر التنصت الواسع النطاق، مثلما حصل في قضية «الداعشي» محمد أموازي المعروف بـ «الذبّاح جون» في سورية، وفي قضية محمد عبريني المعروف بـ «الرجل ذي القبعة» على خلفية ظهوره مع انتحاريي مطار بروكسيل هذا العام، وأيضاً في قضية جُنيد خان الذي أوقف بعدما كان في المراحل النهائية لتنفيذ هجوم يستهدف عسكريين أميركيين متمركزين في قواعد على الأراضي البريطانية.

وانتقدت منظمة «ليبرتي» الحقوقية تقرير أندرسون، قائلة: «دعونا إلى تحقيق حيادي، مستقل ويقوم به خبراء في السلطات التطفلية (الممنوحة للاستخبارات)، هذه المراجعة المستعجلة فشلت في هذه المعايير الثلاثة».