&هاني الظاهري

دلالات عظيمة تلك التي حملتها صور احتفالات الناس في مدينة منبج السورية بطرد تنظيم داعش الإرهابي.. ظهر الرجال أمام الكاميرات وهم يسارعون إلى حلق لحاهم، فيما اشتغلت النساء بحرق العباءات السوداء التي فرض عليهن التنظيم لبسها بالقوة، فالإجبار على مظاهر التدين لا يولّد إلا الكراهية والرغبة الشديدة في الانتقام من السلطة التي فرضتها مهما كان مستوى قوتها ووحشيتها.

للصور ومقاطع الفيديو تأثير نفسي عميق، فكما أن تنظيم داعش استغل الملتميديا لتبيان مدى وحشيته بهدف كسب المزيد من الأتباع المتشوقين لرائحة الدم وإلحاق الهزيمة النفسية استباقيا بخصومه من المدنيين، فإن صور مظاهر الفرح الشعبي بهزيمته وطرده تسقطه نفسيا عند أتباعه قبل المتعاطفين معه، والتاريخ العربي حافل بحكايات سلطات وجماعات لا تقل عنه وحشية استغلت الدين لممارسة أبشع الجرائم وفرض سلطتها بالرعب والإرهاب قبل أن تتجرع الهزيمة ويطويها النسيان.

المفكر والمؤرخ العربي الكبير «هادي العلوي» أحد من تفرغوا لجمع ورصد أبشع أساليب الإكراه والتعذيب التي مورست بحق العرب والمسلمين على امتداد 14قرنا، ليخرج بمؤلفه الأثير «تاريخ التعذيب في الإسلام»، والغريب أن أشهر تلك الممارسات الوحشية كانت ترتكب في سبيل جباية الزكاة والجزية من الناس، يلي ذلك التعذيب لأسباب سياسية الذي من أساليبه «سلخ الجلود»، ففي رواية لابن الأثير أن رجلا يدعى محمد بن عبادة أسر في أيام المعتضد بالله فسلخ جلده كما تسلخ الشاه. وفي مثال صارخ على من جنت عليهم «آراؤهم» التي تعتبر اليوم من أبسط مبادئ حرية التعبير يروي التاريخ أن المعز الفاطمي قبض على الفقيه الدمشقي أبي بكر النابلسي بعد أن بلغه قوله: «لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة (الفاطميين) وواحدا في الروم» فاعترف بقوله، وكانت عقوبته أن تم سلخ جلده وحُشي تبنا ثم صلب بعد ذلك، وهذا مجرد مثال بسيط لفرد واحد من ملايين العرب الذين ذاقوا صنوف التعذيب والتنكيل التي منها ما لا يكاد يتخيله عقل كنفخ الناس بالنمل، وإحراق المدن على أهلها مع إجبارهم على قذف أنفسهم في النار، وغير ذلك، وأنصح بالرجوع لمؤلف العلوي للاطلاع على مدى الوحشية التي يمكن أن يصل إليها الإنسان في سبيل الانتصار لصورته الذهنية المخيفة في عقول من يحكمهم.

حاليا يعيش تنظيم داعش أيامه الأخيرة في العراق وسورية، وقريبا سيتحول إلى ذكرى هامشية في تاريخ هذه المنطقة، ليس لهزيمته عسكريا فحسب، وإنما لأن الأفكار التي قام عليها باتت كتلة من القبح والسواد في الذهنية الجمعية لدى الناس الذين حكم مناطقهم، وأكثر قبحا في أذهان أولئك الذين شاهدوا الفرح في عيون الناجين منه عبر الصور في كل بقاع العالم.