عبدالله بن بجاد العتيبي

دخلت الأزمة السورية منعطفاً جديداً سياسياً وعسكرياً، سياسياً في تغيّر السياسة التركية الذي لم تتضح جميع أبعاده بعد، وعسكرياً بالعملية العسكرية التي استهدفت فك الحصار عن مدينة حلب والتي شارك فيها العديد من الفصائل السورية من «الجيش الحر» وغيره. تناولت كل وسائل الإعلام العالمية صوراً ومقطع فيديو لإنقاذ الطفل عمران من تحت أنقاض بيت عائلته الذي قصفته طائرات النظام أو الطائرات الروسية، وقد أصاب المقطع العام بالذهول وكانت ردة فعل الطفل مثيرةً لأعمق مشاعر الإنسانية في كل قلبٍ، وهي أعادت للأذهان صورة الطفل الغريق إيلان قبل سنةٍ تقريباً.

مع استمرار ألم الشعب السوري وتضحياته التاريخية إلا أن المشهد هناك تعقّد كثيراً لأسباب متعددةٍ من أهمها التخاذل الدولي عن اجتراح حلول خلاقةٍ مبكرةٍ تنهي عذابات السوريين وتفتح لهم طريقاً للمستقبل، فتبخرت الحلول وتصاعد التعقيد وازداد تشابكاً مع مرور الوقت والتغييرات في موازين القوى على الأرض، وإقليمياً ودولياً.

من هنا فإن معركة حلب هي معركة متعددة الأطراف والأبعاد، لأنها جزء من الأزمة السورية التي هي جزء من أزمات المنطقة وصراعاتها وبالتالي جزء من الاهتمام الدولي والمصالح الدولية، وقد انكشفت فيها أزمةٌ حقيقةً تجاه موازين القوى الدولية وتعاملها مع الأزمة السورية، وانكشف فيها أن المفاوضات السياسية يكون لها دائماً ضحايا إنسانية، ومن ذلك تعبير إدارة أوباما عن خديعة روسية!

وقد انكشف فيها أيضاً داعمو الإرهاب في المنطقة، وتحديداً من أتباع وأنصار ورموز الإسلام السياسي، في المنطقة وفي دول الخليج العربي، بحيث لا تجد في حديثهم أي حساسيةٍ ضد جماعات الإرهاب في سوريا، ذلك أن الفرق بينهم وبين «تنظيم القاعدة» على سبيل المثال هو مجرد «اسم» التنظيم والفرق بينهم وبين «داعش» مجرد خلاف داخلي، ومن هنا جاء فرحهم واستبشارهم لأن «جبهة النصرة» غيرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام» وليس في ذلك ما يسرّ عاقلاً، فالمراد تغيير الإيديولوجية وترك الإرهاب، ولكن جماعات الإسلام السياسي وجماعات الإرهاب لديهم قدرةٌ حربائية لتغيير الجلد وليس المضمون، ومن هنا يتفهمون بعضهم ويدعمون بعضهم البعض.

أمرٌ آخر يظهر هذا النوع من الخلاف، ويتجلى في الموقف تجاه صراع تيارات الإسلام السياسي في تركيا بين «حزب أردوغان» و«جماعة جولن»، فهما تياران إسلامويان يستخدمان الدين لخدمة أهدافٍ سياسيةٍ، والفرق أن أردوغان لديه صلاتٌ برموز وحركات الإسلام السياسي في الدول العربية وإن أرادهم جمهوراً تابعاً فقط، بينما تركيز جولن ينصب على الأتراك أنفسهم. وقد اتضح من موقف الأصوليين العرب الانحياز لأردوغان بسبب كونه في «السلطة» التي هي غاية الغايات لديهم، وبسبب أنهم يستخدمونه لإحياء «حلم الخلافة» ويصفونه بـ«الخليفة»، فنفضوا أيديهم في هذا الموقف الدقيق مما يسمّونه «الدعوة» وانحازوا بالكامل لـ«السلطة» و«السياسة»، وهذا أمرٌ مهم يوضح ترتيب الأولويات الحقيقي لدى جماعات الإسلام السياسي ورموزها.

أميركياً، سيظل تاريخ أميركا دولياً ملطخاً بإدارة أوباما، وبالشرور التي زرعتها وسمحت لها بالانتشار في العالم، وبالتغييرات السياسية الكبرى التي سمحت بها، وأذلت أميركا وأهانت حلفاءها حول العالم، وستكون جرائم الحرب التي ترتكب كل يومٍ في سوريا تراثاً سيئاً تتذكره البشرية بكل الألم والحزن.

وقد صدق المرشح «الجمهوري» في انتخابات الولايات المتحدة الأميركية الحالية دونالد ترامب حين قال في ظل حملة انتخابية اشتهر فيها بإطلاق التصريحات العجيبة والغريبة بأن إدارة أوباما سيذكرها التاريخ كواحدة من أسوأ الإدارات لا بالانحياز للقوة والخطأ في ذلك، بل بالانحياز للضعف والخطأ في ذلك.

أخيراً، فإن معركة حلب كشفت الكثير من الخلط المتعمد في قراءة تعقيدات المشهد السوري، بينما يمكن للباحث أن يفرّق بين السياقات حتى يستطيع أن يميز بين الأمور المتشابكة والمتشعبة.