&عبدالله جمعة الحاج

عُود اهتمام محدثكم بانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية إلى فترة طويلة، فمُنذ فضيحة ووترجيت وعزل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بسبب ضلوعه فيها، مروراً بخسارة جيمي كارتر ولايته الثانية في نوفمبر 1980، وفوز رونالد ريجان بها؛ وبفوز جورج بوش الأب؛ فبيل كلينتون، فجورج بوش الابن، وأخيراً باراك أوباما؛ وانتهاءً بالحملة الانتخابية الصاخبة الحالية لكل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، ومحدثكم يتابع باهتمام قضايا الرئاسة الأميركية التي فيها العديد من الأحداث المؤثرة التي تهم العالم أجمع، وطرائف ومواقف وتصريحات أثرت كثيراً على شؤون العالم العربي، والخليج العربي بشكل خاص. وتثير الحملة الحالية لدونالد ترامب لغطاً وصخباً وجدلاً وتحليلات وتصريحات تطرح معها أسئلة حول ما إذا كان أولئك الذين يصلون إلى الترشيح النهائي للوصول إلى كرسي الرئاسة، هم أفضل الموجودين من ساسة أكفاء في المجتمع، فكيف يتم هذا الاختيار، ولماذا لا يتم من أوساط أفضل الموجودين؟

ظاهرياً، وربما بشكل غير واقعي، يعتبر اختيار مرشحي الأحزاب النهائيين ودعمهم في حملاتهم الانتخابية مسعى لإعلام الناخبين وتنويرهم والسماح لهم برؤية جميع الجوانب المتعلقة بالقضايا التي تهمهم على جميع الصعد، وواقعياً لكي تكشف أمامهم جميع الحقائق المتعلقة بذلك، هذا هو لب مسألة اختيار مرشحي الأحزاب؛ لكن الذي يحدث عوضاً عن ذلك هو العكس، فاختيار المرشحين الحزبيين، كما يتضح من ما نشاهده هو جعل الحقائق أكثر غموماً وضبابية.

وهنا نشأ لدينا سؤال عملي: فهل توجد طريقة أفضل من ما هو موجود حالياً لاختيار المرشحين؟، وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو القدر من الوقت الذي تحتاجه الأمة الأميركية لكي تخصصه لاختيار رؤسائها؟

وفقاً للنظام الانتخابي القائم حالياً في الولايات المتحدة يتأمل الحزبان الكبيران المهيمنان على الحياة السياسية في استقطاب الأصوات اللازمة لكسب الانتخابات الرئاسية النهائية. إن الطبيعة الجوهرية السياسية لهذه العملية تسمح للبلاد أن تتوقع بأن يصبح الرؤساء في نهاية المطاف ملمين بتطلعات ورغبات وتوجهات الرأي العام الشعبي.

وهنا فإن تسلق السلم السياسي ووصول المرشح إلى مرحلة الاختيار النهائي لا يعني بأنه سيسعى إلى تطبيق أفضل الحلول المتاحة أو إحراز التقدم ومواكبة التطلعات الشعبية: وكقاعدة يقوم النظام الانتخابي الحالي بتمحيص طلبات المتقدمين للترشيح، وبإبعاد أولئك الذين يتم الاعتقاد بأنهم لن يوصلوا الحزب المعني إلى كرسي الرئاسة في نهاية المطاف، وهذا هو المفترض أن يحدث، لكن مع اختيار دونالد ترامب من قبل «الجمهوريين» يبدو بأنه يوجد خلل ما في هذه العملية، ففي وظيفة كوظيفة رئيس الولايات المتحدة التي يجب أن يعتمد شاغلها على حس استشعاري مفرط بجوانب العديد من القضايا الحساسة، يوجد سبب وجيه لكي يتم الاهتمام بطبيعة وقدرة الأشخاص الذين يمكن لهم الوصول إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وربما أن الحزب «الجمهوري» قد جانبه الصواب عندما اختار مرشحه الحالي لهذه الوظيفة.

وسنستمر في سماع القول بأن المرشح الذي يشن حملة انتخابية يجب عليه أن يعلم كيف يدير دولة، أو عكس ذلك، بأن المرشح الذي لا يمكنه شن حملته الانتخابية بنجاح سيكون غير قادر على إدارة الدولة. لكن بغض النظر عن مثل هذه الأقوال حول الاحترافية التقنية لإدارة أي حملة انتخابية، فإن القليل جداً من الناخبين هم الذين يعيرون اهتماماً لمثل تلك العلاقة، فالواقع الشعبي الأميركي بعيد عن ذلك تماماً من الناحية العملية.